للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: ٩٥]، وَالْفِعْلُ الْمُوجِبُ لِلْحِلِّ مُسَمًّى بِاسْمِ الذَّكَاةِ شَرْعًا فَلَمَّا سَمَّاهُ قَتْلًا هُنَا عَرَفْنَا أَنَّ هَذَا الْفِعْلَ غَيْرُ مُوجِبٍ لِلْحِلِّ أَصْلًا، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِأَصْحَابِ أَبِي قَتَادَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - هَلْ أَعَنْتُمْ هَلْ أَشَرْتُمْ هَلْ دَلَلْتُمْ؟ فَقَالُوا: لَا فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَنْ فَكُلُوا» فَإِذَا ثَبَتَ بِالْأَثَرِ أَنَّ الْإِعَانَةَ مِنْ الْمُحْرِمِ تُوجِبُ الْحُرْمَةَ فَمُبَاشَرَةُ الْقَتْلِ هُنَا أَوْلَى فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ يَصِحُّ هَذَا الِاسْتِدْلَال وَعِنْدَكُمْ الصَّيْدُ لَا يَحْرُمُ تَنَاوُلُهُ بِإِشَارَةِ الْمُحْرِمِ وَدَلَالَتِهِ قُلْنَا فِيهِ رِوَايَتَانِ، وَقَدْ بَيَّنَّا هُمَا فِي الزِّيَادَاتِ، وَمِنْ ضَرُورَةِ حُرْمَةِ التَّنَاوُلِ عِنْدَ الْإِشَارَةِ حُرْمَةُ التَّنَاوُلِ عِنْدَ مُبَاشَرَةِ الْقَتْلِ فَإِنْ قَامَ هَذَا الدَّلِيلُ عَلَى انْتِسَاخِ هَذَا الْحُكْمِ عِنْدَ الْإِشَارَةِ فَذَلِكَ لَا يَدُلُّ عَلَى انْتِسَاخِهِ عِنْدَ الْمُبَاشَرَةِ، وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ هَذَا الِاصْطِيَادَ مُحَرَّمٌ لِمَعْنَى الدِّينِ، وَلِهَذَا حَرُمَ التَّنَاوُلُ عَلَيْهِ فَيَكُونُ نَظِيرَ اصْطِيَادِ الْمَجُوسِيِّ، وَذَلِكَ مُوجِبٌ لِلْحُرْمَةِ فِي حَقِّ الْكُلِّ فَهَذَا مِثْلُهُ.

(قَالَ) فَإِنْ أَدَّى الْمُحْرِمُ جَزَاءَهُ ثُمَّ أَكَلَ فَعَلَيْهِ قِيمَةُ مَا أَكَلَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَإِنْ كَانَ قَتَلَهُ غَيْرُهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِيمَا أَكَلَ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ آخَرُ سِوَى الِاسْتِغْفَارِ، وَحُجَّتُهُمَا أَنَّ صَيْدَ الْمُحْرِمِ كَالْمَيْتَةِ أَوْ كَذَبِيحَةِ الْمَجُوسِيِّ، وَتَنَاوُلُ الْمَيْتَةِ لَا يُوجِبُ إلَّا الِاسْتِغْفَارَ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا أَكَلَ مِنْهُ حَلَالٌ أَوْ مُحْرِمٌ آخَرُ لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا الِاسْتِغْفَارُ فَكَذَا إذَا أَكَلَ هُوَ مِنْهُ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ الْحَلَالَ إذَا ذَبَحَ صَيْدًا فِي الْحُرُمِ فَأَدَّى جَزَاءَهُ ثُمَّ أَكَلَ مِنْهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ آخَرُ، وَكَذَلِكَ الْمُحْرِمُ إذَا كَسَرَ بَيْضَ صَيْدٍ فَأَدَّى جَزَاءَهُ ثُمَّ شَوَاهُ فَأَكَلَهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ آخَرُ كَذَا هَذَا وَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ تَنَاوَلَ مَحْظُورَ إحْرَامِهِ فَيَلْزَمُهُ الْجَزَاءُ كَسَائِرِ الْمَحْظُورَاتِ، وَبَيَانُهُ أَنَّ قَتْلَ هَذَا الصَّيْدِ مِنْ مَحْظُورَاتِ إحْرَامِهِ، وَالْقَتْلُ غَيْرُ مَقْصُودٍ لِعَيْنِهِ بَلْ لِلتَّنَاوُلِ مِنْهُ فَإِذَا كَانَ مَا لَيْسَ بِمَقْصُودٍ مَحْظُورَ إحْرَامِهِ حَتَّى يَلْزَمَهُ الْجَزَاءُ بِهِ فَمَا هُوَ الْمَقْصُودُ بِذَلِكَ أَوْلَى بِخِلَافِ مُحْرِمٍ آخَرَ فَإِنَّ هَذَا التَّنَاوُلَ لَيْسَ مِنْ مَحْظُورَاتِ إحْرَامِهِ، وَبِخِلَافِ الْحَلَالِ فِي الْحَرَمِ لِأَنَّ وُجُوبَ الْجَزَاءِ هُنَاكَ بِاعْتِبَارِ الْأَمْنِ الثَّابِتِ بِسَبَبِ الْحَرَمِ، وَذَلِكَ لِلصَّيْدِ لَا لِلَّحْمِ، وَكَذَلِكَ الْبَيْضُ، وُجُوبُ الْجَزَاءِ فِيهِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ أَصْلُ الصَّيْدِ، وَبَعْدَ الْكَسْرِ انْعَدَمَ هَذَا الْمَعْنَى يُقَرِّرُهُ أَنَّ الْمَقْتُولَ بِغَيْرِ حَقٍّ فِي حَقِّ الْقَاتِلِ كَالْحَيِّ مِنْ وَجْهٍ حَتَّى لَا يَرِثَ، وَكَالْمَيِّتِ مِنْ وَجْهٍ حَتَّى تُعْتَقَ أُمُّ الْوَلَدِ إذَا قَتَلَتْ مَوْلَاهَا فَفِيمَا يَنْبَنِي أَمْرُهُ عَلَى الِاحْتِيَاطِ جَعَلْنَاهُ كَالْحَيِّ فِي حَقِّ الْقَاتِلِ، وَهُوَ جَزَاءُ الْإِحْرَامِ فَيَلْزَمُهُ بِالتَّنَاوُلِ جَزَاءٌ آخَرُ، وَأَمَّا جَزَاءُ صَيْدِ الْحَرَمِ غَيْرُ مَبْنِيٍّ عَلَى الِاحْتِيَاطِ فِي الْإِيجَابِ فَلِهَذَا اعْتَبَرْنَا مَعْنَى

<<  <  ج: ص:  >  >>