للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حُدُوثَ الرِّقِّ فِيهِ فَإِنْ كَانَ فِيهِ فَرْخٌ مَيِّتٌ فَعَلَيْهِ قِيمَةُ الْفَرْخِ حَيًّا، وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ، وَفِي الْقِيَاسِ لَا يَغْرَمُ إلَّا قِيمَةَ الْبَيْضَةِ لِأَنَّهُ لَمْ تُعْلَمْ حَيَاةُ الْفَرْخِ قَبْلَ كَسْرِهِ، وَلَكِنَّهُ اُسْتُحْسِنَ فَقَالَ الْبَيْضُ مَا لَمْ يَفْسُدْ فَهُوَ مُعَدٌّ لِيَخْرُجَ مِنْهُ فَرْخٌ حَيٌّ، وَالتَّمَسُّكُ بِهَذَا الْأَصْلِ وَاجِبٌ حَتَّى يَظْهَرَ خِلَافُهُ، وَلِأَنَّ كَسْرَ الْبَيْضَةِ سَبَبٌ لِمَوْتِ الْفَرْخِ إذَا حَصَلَ قَبْلَ أَوَانِهِ فَإِذَا ظَهَرَ الْمَوْتُ عَقِيبَ هَذَا السَّبَبِ يُحَالُ بِهِ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ ضَرَبَ بَطْنَ ظَبْيَةٍ فَطَرَحَتْ جَنِينًا مَيِّتًا ثُمَّ مَاتَتْ فَعَلَيْهِ جَزَاؤُهُمَا جَمِيعًا أَخْذًا فِيهِ بِالثِّقَةِ لِأَنَّ الضَّرْبَ سَبَبٌ صَالِحٌ لِمَوْتِهِمَا، وَقَدْ ظَهَرَ الْمَوْتُ عَقِيبَهُ، وَإِنَّمَا أَرَادَ بِقَوْلِهِ أَخْذًا بِالثِّقَةِ الْإِشَارَةَ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الضَّمَانِ الْوَاجِبِ لِحَقِّ الْعِبَادِ فَإِنَّ مَنْ ضَرَبَ بَطْنَ جَارِيَةٍ فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا وَمَاتَتْ لَمَّا وَجَبَ هُنَاكَ ضَمَانُ الْأَصْلِ لَمْ يَجِبْ ضَمَانُ الْجَنِينِ لِأَنَّ الْجَنِينَ فِي حُكْمِ الْجُزْءِ مِنْ وَجْهٍ، وَفِي حُكْمِ النَّفْسِ مِنْ وَجْهٍ، وَالضَّمَانُ الْوَاجِبُ لِحَقِّ الْعِبَادِ غَيْرُ مَبْنِيٍّ عَلَى الِاحْتِيَاطِ فَلَا يَجِبُ فِي مَوْضِعِ الشَّكِّ فَأَمَّا جَزَاءُ الصَّيْدِ مَبْنِيٌّ عَلَى الِاحْتِيَاطِ فَلِهَذَا رُجِّحَ شِبْهُ النَّفْسِ فِي الْجَنِينِ فَأَوْجَبَ عَلَيْهِ جَزَاءَهُمَا.

(قَالَ) وَإِذَا عَطِبَ الصَّيْدُ بِفُسْطَاطِ الْمُحْرِمِ أَوْ بِحَفِيرَةٍ حَفَرَهَا لِلْمَاءِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَا إذَا نَصَبَ شَبَكَةً أَوْ حَفَرَ حَفِيرَةً لِأَخْذِ الصَّيْدِ لِأَنَّهُ مُتَسَبِّبٌ فِي الْمَوْضِعَيْنِ إلَّا أَنَّ التَّسَبُّبَ إذَا كَانَ تَعَدِّيًا يَكُونُ مُوجِبًا لِلضَّمَانِ كَحَفْرِ الْبِئْرِ عَلَى الطَّرِيقِ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ تَعَدِّيًا لَا يَكُونُ مُوجِبًا لِلضَّمَانِ كَحَفْرِ الْبِئْرِ فِي مِلْكِ نَفْسِهِ، وَنَصْبُ الشَّبَكَةِ مِنْ الْمُحْرِمِ تَعَدٍّ لِأَنَّهُ قَصَدَ بِهِ الِاصْطِيَادَ فَأَمَّا ضَرْبُ الْفُسْطَاطِ فَلَيْسَ بِتَعَدٍّ إذْ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ الِاصْطِيَادَ أَلَا تَرَى أَنَّ الْحَلَالَ لَوْ نَصَبَ شَبَكَةً فَتَعَقَّلَ بِهَا صَيْدٌ مَلَكَهُ حَتَّى لَوْ أَخَذَهُ غَيْرُهُ كَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ مِنْهُ بِخِلَافِ مَا إذَا ضَرَبَ فُسْطَاطًا، وَعَلَى هَذَا إذَا فَزِعَ مِنْهُ الصَّيْدُ فَاشْتَدَّ فَانْكَسَرَ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ بِخِلَافِ مَا إذَا أَفْزَعَهُ هُوَ أَوْ حَرَّكَهُ فَإِنَّهُ وُجِدَ بِسَبَبٍ هُوَ فِيهِ مُتَعَدٍّ فَيَكُونُ هُوَ ضَامِنًا.

(قَالَ) مُحْرِمٌ اصْطَادَ صَيْدًا فَأَرْسَلَهُ مُحْرِمٌ آخَرُ مِنْ يَدِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِأَنَّ الصَّيْدَ مُحَرَّمُ الْعَيْنِ عَلَى الْمُحْرِمِ بِالنَّصِّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} [المائدة: ٩٦] فَلَمْ يَمْلِكْهُ بِالْأَخْذِ كَمَنْ اشْتَرَى خَمْرًا لَا يَمْلِكُهَا لِأَنَّهَا مُحَرَّمَةُ الْعَيْنِ فَإِذَا لَمْ يَمْلِكْهُ لَمْ يَكُنْ الْمُرْسِلُ مِنْ يَدِهِ مُتْلِفًا عَلَيْهِ شَيْئًا وَلِأَنَّهُ فَعَلَ عَيْنَ مَا يَحِقُّ عَلَيْهِ فِعْلُهُ شَرْعًا فَهُوَ كَمَنْ أَرَاقَ الْخَمْرَ عَلَى الْمُسْلِمِ.

(قَالَ) وَلَوْ قَتَلَهُ فِي يَدِهِ فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جَزَاؤُهُ أَمَّا الْقَاتِلُ فَلِأَنَّهُ جَنَى عَلَى إحْرَامِهِ بِقَتْلِ الصَّيْدِ، وَأَمَّا الْآخِذُ فَلِأَنَّهُ كَانَ مُتْلِفًا لِمَعْنَى الصَّيْدِيَّةِ فِيهِ حُكْمًا بِإِثْبَاتِ يَدِهِ ثُمَّ يَرْجِعُ الْآخِذُ بِمَا ضَمِنَ مِنْ الْجَزَاءِ عَلَى الْقَاتِلِ عِنْدَنَا، وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ لِأَنَّ الْآخِذَ لَمْ يَمْلِكْ الصَّيْدَ، وَلَا كَانَتْ لَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>