الْخَمْسِ فِي مَعْنَى الْأَذَى دُونَ الْخَمْسِ لِأَنَّ الْخَمْسَ مِنْ طَبْعِهَا الْبُدَاءَةُ بِالْأَذَى، وَمَا سِوَاهَا لَا يُؤْذِي إلَّا أَنْ يُؤْذَى فَلَمْ يَكُنْ فِي مَعْنَى الْمَنْصُوصِ لِيَلْحَقَ بِهِ، وَلِذَا قَالَ الْحُرْمَةُ ثَابِتَةٌ بِالنَّصِّ إلَى غَايَةٍ فَحُرْمَةُ الِاصْطِيَادِ هَكَذَا لِأَنَّ النَّصَّ يُثْبِتُ حُرْمَةَ الِاصْطِيَادِ لَا حُرْمَةِ التَّنَاوُلِ، وَحُرْمَةُ الِاصْطِيَادِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ تَثْبُتُ فِي غَيْرِ مَأْكُولِ اللَّحْمِ كَمَا تَثْبُتُ فِي مَأْكُولِ اللَّحْمِ ثُمَّ لَا اخْتِلَافَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ الْجَزَاءَ يَجِبُ بِقَتْلِ الضَّبُعِ عَلَى الْمُحْرِمِ لِأَنَّ عِنْدَهُ الضَّبُعَ مَأْكُولُ اللَّحْمِ، وَعِنْدَنَا هُوَ مِنْ السِّبَاعِ الَّتِي لَمْ يَتَنَاوَلْهَا الِاسْتِثْنَاءُ، وَفِيهِ حَدِيثُ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «حِينَ سُئِلَ عَنْ الضَّبُعِ أَصَيْدٌ هُوَ؟ فَقَالَ نَعَمْ فَقِيلَ أَعَلَى الْمُحْرِمِ الْجَزَاءُ فِيهِ؟ قَالَ نَعَمْ فَقِيلَ لَهُ أَسَمِعْته مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قَالَ نَعَمْ»، وَلَكِنْ السَّبُعُ إنْ كَانَ هُوَ الَّذِي ابْتَدَأَ الْمُحْرِمَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي قَتْلِهِ عِنْدَنَا، وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْجَزَاءُ لِأَنَّ فِعْلَ الصَّيْدِ هَدَرٌ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْعَجْمَاءُ جُبَارٌ» مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ الْجَرْحِ أَيْ جَرْحُ الْعَجْمَاءِ جُبَارٌ فَوُجُودُهُ كَعَدَمِهِ فِيمَا يَجِبُ مِنْ الْجَزَاءِ بِقَتْلِهِ عَلَى الْمُحْرِمِ. أَلَا تَرَى أَنَّ فِي الضَّمَانِ الْوَاجِبِ لِحَقِّ الْعِبَادِ إذَا كَانَ السَّبُعُ مَمْلُوكًا لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ الْبُدَاءَةُ مِنْهُ أَوْ مِنْ السَّبُعِ فَكَذَلِكَ فِيمَا يَجِبُ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ حَدِيثُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فَإِنَّهُ قَتَلَ ضَبُعًا فِي الْإِحْرَامِ فَأَهْدَى كَبْشًا، وَقَالَ إنَّا ابْتَدَأْنَاهُ فَفِي هَذَا التَّعْلِيلِ بَيَانُ أَنَّ الْبُدَاءَةَ إذَا كَانَتْ مِنْ السَّبُعِ لَا يُوجِبُ شَيْئًا، وَلِأَنَّ صَاحِبَ الشَّرْعِ جَعَلَ الْخَمْسَ مُسْتَثْنَاةً لِتَوَهُّمِ الْأَذَى مِنْهَا غَالِبًا، وَتَحَقُّقُ الْأَذَى يَكُونُ أَبْلَغُ مِنْ تَوَهُّمِهِ فَتَبَيَّنَ بِالنَّصِّ أَنَّ الشَّرْعَ حَرَّمَ عَلَيْهِ قَتْلَ الصَّيْدِ، وَمَا أَلْزَمَهُ تَحَمُّلَ الْأَذَى مِنْ الصَّيْدِ فَإِذَا جَاءَ الْأَذَى مِنْ الصَّيْدِ صَارَ مَأْذُونًا فِي دَفْعِ أَذَاهُ مُطْلَقًا فَلَا يَكُونُ فِعْلُهُ مُوجِبًا لِلضَّمَانِ عَلَيْهِ.
وَبِهَذَا فَارَقَ ضَمَانَ الْعِبَادِ فَإِنَّ الضَّمَانَ يَجِبُ لِحَقِّ الْعِبَادِ، وَلَمْ يُوجَدْ الْإِذْنُ مِمَّنْ لَهُ الْحَقُّ فِي إتْلَافِهِ مُطْلَقًا حَتَّى يَسْقُطَ بِهِ الضَّمَانُ بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ، وَلَا يَدْخُلُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا قَتْلُ الْمُحْرِمِ الْقَمْلَ فَإِنَّهُ يُوجِبُ الْجَزَاءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ يُؤْذِيهِ لِأَنَّ الْمُحْرِمَ إذَا قَتَلَ قَمْلَةً وَجَدَهَا عَلَى الطَّرِيقِ لَمْ يَضْمَنْ شَيْئًا لِأَنَّهَا مُؤْذِيَةٌ، وَلَكِنْ إذَا قَتَلَ الْقَمْلَ عَلَى نَفْسِهِ إنَّمَا يَضْمَنُ لِمَعْنَى قَضَاءِ التَّفَثِ بِإِزَالَةِ مَا يَنْمُو مِنْ بَدَنِهِ عَنْ نَفْسِهِ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْمُحْرِمِ إذَا كَانَ مُضْطَرًّا فَقَتَلَ صَيْدًا لِأَنَّ الْإِذْنَ مِمَّنْ لَهُ الْحَقُّ هُنَاكَ مُقَيَّدٌ، وَلَيْسَ بِمُطْلَقٍ فَإِنَّ الْإِذْنَ فِي حَقِّ الْمُضْطَرِّ فِي قَوْله تَعَالَى {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ} [البقرة: ١٩٦] الْآيَةَ، وَالْإِذْنُ عِنْدَ الْأَذَى ثَابِتٌ بِالنَّصِّ مُطْلَقًا فِي حَقِّ الصَّيْدِ فَلَا يَكُونُ مُوجِبًا لِلضَّمَانِ عَلَيْهِ فَأَمَّا إذَا كَانَ هُوَ الَّذِي ابْتَدَأَ السَّبُعَ يَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ بِقَتْلِهِ لَا يُجَاوِزُ بِقِيمَتِهِ شَاةً عِنْدَنَا، وَعَلَى قَوْلِ زُفَرَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute