للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَضَاءِ التَّفَثِ وَلَا مَعْنَى اسْتِعْمَالِ الطِّيبِ؛ لِأَنَّ الدُّهْنَ مَأْكُولٌ، وَلَيْسَ بِطِيبٍ فَيَكُونُ قِيَاسَ الشَّحْمِ وَالسَّمْنِ، وَبِهَذَا يَحْتَجُّ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - وَلَكِنَّهُمَا قَالَا: اسْتِعْمَالُ الدُّهْنِ يَقْتُلُ الْهَوَامَّ فَيَكُونُ فِيهِ بَعْضُ الْجِنَايَةِ فَيَلْزَمُهُ الصَّدَقَةُ وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ: الدُّهْنُ أَصْلُ الطِّيبِ فَإِنَّ الرَّوَائِحَ تُلْقَى فِي الدُّهْنِ فَيَصِيرُ تَامًّا فَيَجِبُ بِاسْتِعْمَالِ أَصْلِ الطِّيبِ مَا يَجِبُ بِاسْتِعْمَالِ الطِّيبِ كَمَا إذَا كَسَرَ الْمُحْرِمُ بَيْضَ الصَّيْدِ يَلْزَمُهُ الْجَزَاءُ كَمَا يَجِبُ بِقَتْلِ الصَّيْدِ.

(قَالَ): وَإِذَا دَهَنَ شُقَاقَ رِجْلِهِ بِزَيْتٍ أَوْ شَحْمٍ أَوْ سَمْنٍ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ قَصْدَهُ التَّدَاوِي، وَالتَّدَاوِي غَيْرُ مَمْنُوعٍ مِنْهُ فِي حَالِ الْإِحْرَامِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ أَكَلَهُ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ فَإِنْ دَهَنَ بِهِ شُقَاقَ رِجْلِهِ أَوْلَى

(قَالَ): وَيُكْرَهُ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَشُمَّ الطِّيبَ وَالزَّعْفَرَانَ هَكَذَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَجَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا يَرَى بِهِ بَأْسًا؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُحَرَّمُ عَلَيْهِ مَسُّ الطِّيبِ وَهُوَ لَمْ يَمَسَّهُ وَإِنْ شَمَّ رَائِحَتَهُ كَمَنْ اجْتَازَ فِي سُوقِ الْعَطَّارِينَ لَمْ يُكْرَهْ لَهُ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ مُحْرِمًا مَعَ أَنَّ الرَّيْحَانَ مِنْ جُمْلَةِ نَبَاتِ الْأَرْضِ لَا مِنْ الطِّيبِ فَهُوَ كَالتُّفَّاحِ وَالْبِطِّيخِ وَنَحْوِهِمَا، وَلَكِنَّا نَأْخُذُ بِقَوْلِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -؛ لِأَنَّ فِي الطِّيبِ مَعْنَى الرَّائِحَةِ، وَاسْتِعْمَالُ عَيْنِ الطِّيبِ غَيْرُ مَقْصُودٍ بَلْ الْمَقْصُودُ مِنْ الطِّيبِ رَائِحَتُهُ فَمَا يُوجِدُ رَائِحَةَ الطِّيبِ يُكْرَهُ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَشُمَّهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ قَضَاءِ التَّفَثِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي التُّفَّاحِ هَكَذَا وَمَنْ فَرَّقَ فَقَالَ: الْمَقْصُودُ هُنَاكَ الْأَكْلُ فَأَمَّا الرَّيْحَانُ فَلَيْسَ فِيهِ مَقْصُودٌ سِوَى رَائِحَتِهِ فَيُمْنَعُ مِنْهُ فِي حَالَةِ الْإِحْرَامِ، وَلَكِنْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الِاسْتِمْتَاعَ لَا يَتِمُّ بِمُجَرَّدِ اشْتِمَامِ الرَّائِحَةِ بِمَنْزِلَةِ الْجُلُوسِ عِنْدَ الْعَطَّارِ وَنَحْوِهِ، وَذَكَرَ حَمْرَانِ عَنْ أَبَانَ عَنْ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الْمُحْرِمِ أَيَدْخُلُ الْبُسْتَانَ، قَالَ: نَعَمْ وَيَشُمُّ الرَّيْحَانَ فَهُوَ دَلِيلٌ لِمَنْ أَخَذَ بِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -

(قَالَ): فَإِنْ كَانَ تَطَيَّبَ أَوْ ادَّهَنَ قَبْلَ الْإِحْرَامِ ثُمَّ وَجَدَ رِيحَهُ بَعْدَ الْإِحْرَامِ لَمْ يَضُرَّهُ، وَكَذَلِكَ إنْ أَجْمَرَ ثِيَابَهُ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ ثُمَّ لَبِسَهَا بَعْدَ الْإِحْرَامِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَذَكَرَ هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ الْمُحْرِمَ إذَا دَخَلَ بَيْتًا قَدْ أُجْمِرَ فِيهِ فَطَالَ مُكْثُهُ حَتَّى عَلِقَ ثَوْبَهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، وَلَوْ أَجْمَرَ ثِيَابَهُ بَعْدَ الْإِحْرَامِ فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ؛ لِأَنَّ الْإِجْمَارَ إذَا كَانَ فِي الْبَيْتِ فَعَيْنُ الطِّيبِ لَمْ يَتَّصِلْ بِثَوْبِهِ وَلَا بِبَدَنِهِ إنَّمَا نَالَ رَائِحَتَهُ فَقَطْ بِخِلَافِ مَا إذَا أَجَمَرَ ثِيَابَهُ فَإِنَّ عَيْنَ الطِّيبِ قَدْ عَلِقَ بِثِيَابِهِ فَإِذَا كَانَ الْإِجْمَارُ قَبْلَ الْإِحْرَامِ لَمْ يَكُنْ مَمْنُوعًا عَنْ اسْتِعْمَالِ عَيْنِ الطِّيبِ يَوْمَئِذٍ، وَإِنَّمَا بَقِيَ مَعَ الْمُحْرِمِ رَائِحَتُهُ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ

(قَالَ): وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَأْكُلَ الطَّعَامَ الَّذِي فِيهِ الزَّعْفَرَانُ أَوْ

<<  <  ج: ص:  >  >>