الْمَذْيَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ مَغْلُوبًا مُسْتَهْلِكًا بِالْمَنِيِّ فَكَانَ الْحُكْمُ لِلْمَنِيِّ دُونَ الْمَذْيِ.
قَالَ (وَإِنْ أَصَابَتْ النَّجَاسَةُ الْخُفَّ، أَوْ النَّعْلَ فَمَا دَامَ رَطْبًا لَا يَطْهُرُ إلَّا بِالْغُسْلِ)؛ لِأَنَّ الْمَسْحَ بِالْأَرْضِ لَا يُزِيلُهُ إلَّا فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَالَ إذَا مَسَحَ بِالْأَرْضِ حَتَّى لَمْ تَبْقَ عَيْنُ النَّجَاسَةِ، وَلَا رَائِحَتُهَا يُحْكَمُ بِطَهَارَةِ الْخُفِّ، وَاعْتَبَرَ الْبَلْوَى فِيهِ لِلنَّاسِ، وَإِنْ كَانَ يَابِسًا فَهُوَ عَلَى وَجْهَيْنِ إمَّا أَنْ لَا يَكُونَ لِلنَّجَاسَةِ جُرْمٌ كَالْبَوْلِ، وَالْخَمْرِ فَلَا يَطْهُرُ إلَّا بِالْغُسْلِ؛ لِأَنَّ الْبِلَّةَ تَدَاخَلَتْ فِي أَجْزَاءِ الْخُفِّ، وَلَيْسَ عَلَى ظَاهِرِهِ جُرْمٌ حَتَّى يَزُولَ بِالْمَسْحِ بِالْأَرْضِ فَأَمَّا إذَا كَانَتْ النَّجَاسَةُ لَهَا جُرْمٌ كَالْعَذِرَةِ، وَالرَّوْثِ فَمَسَحَهُ بِالْأَرْضِ فَفِي الْقِيَاسِ لَا يَطْهُرُ إلَّا بِالْغُسْلِ، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى -؛ لِأَنَّ النَّجَاسَةَ تَدَاخَلَتْ فِي أَجْزَاءِ الْخُفِّ أَلَا تَرَى أَنَّهَا بَعْدَ الْجَفَافِ تَبْقَى مُتَّصِلَةً بِالْخُفِّ فَلَا يُطَهِّرُهَا إلَّا الْغُسْلُ كَمَا إذَا أَصَابَتْ الثَّوْبَ، أَوْ الْبِسَاطَ اسْتَحْسَنَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - فَقَالَا يَطْهُرُ بِالْمَسْحِ بِالْأَرْضِ لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَلَعَ نَعْلَيْهِ فِي صَلَاتِهِ فَخَلَعَ النَّاسُ نِعَالَهُمْ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ قَالَ أَتَانِي جِبْرِيلُ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْه، وَأَخْبَرَنِي أَنَّ فِيهِمَا أَذًى فَإِذَا أَتَى أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ فَلْيُقَلِّبْ نَعْلَيْهِ فَإِنْ رَأَى فِيهِمَا قَذَرًا فَلْيَمْسَحْهُ بِالْأَرْضِ» «، وَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي رُبَّمَا أَمْشِي عَلَى مَكَان نَجِسٍ، ثُمَّ عَلَى مَكَان طَاهِرٍ فَقَالَ الْأَرْضُ يُطَهِّرُ بَعْضُهَا بَعْضًا»، وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ لِلْجِلْدِ صَلَابَةً تَمْنَعُ دُخُولَ أَجْزَاءِ النَّجَاسَةِ فِي بَاطِنِهِ، وَلِهَذِهِ النَّجَاسَةُ جُرْمٌ يُنْشِفُ الْبِلَّةَ الْمُتَدَاخِلَةَ إذَا جَفَّ فَإِذَا مَسَحَهُ بِالْأَرْضِ فَقَدْ زَالَ عَيْنُ النَّجَاسَةِ فَيُحْكَمُ بِطَهَارَةِ الْجِلْدِ كَمَا كَانَ عَلَيْهِ قَبْلَ الْإِصَابَةِ بِخِلَافِ الثَّوْبِ، أَوْ الْبِسَاطِ فَإِنَّهُ رَقِيقٌ تَتَدَاخَلُ أَجْزَاءُ النَّجَاسَةِ فِي بَاطِنِهِ فَلَا يُخْرِجُهُ إلَّا الْمَاءُ فَإِنَّ الْمَاءَ لِلَطَافَتِهِ يَتَدَاخَلُ فِي أَجْزَاءِ الثَّوْبِ فَيُخْرِجُ النَّجَاسَةَ، ثُمَّ يَخْرُجُ عَلَى أَثَرِهَا بِالْعَصْرِ.
قَالَ (، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ بِتَغْمِيضِ الْمَيِّتِ، وَغَسْلِهِ، وَحَمْلِهِ وُضُوءٌ، وَلَا غُسْلٌ إلَّا أَنْ يُصِيبَ يَدَهُ، أَوْ جَسَدَهُ شَيْءٌ فَيَغْسِلُهُ) لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - الْوُضُوءُ مِمَّا خَرَجَ، وَلِأَنَّ الْمَيِّتَ الْمُسْلِمَ طَاهِرٌ، وَمَسُّ الطَّاهِرِ لَيْسَ بِحَدَثٍ، وَلَوْ كَانَ نَجِسًا فَمَسُّ النَّجِسِ لَيْسَ بِحَدَثٍ أَيْضًا، وَاَلَّذِي رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ غَمَّضَ مَيِّتًا فَلْيَتَوَضَّأْ، وَمَنْ غَسَّلَ مَيِّتًا فَلْيَغْتَسِلْ، وَمَنْ حَمَلَ جِنَازَةً فَلْيَتَوَضَّأْ» ضَعِيفٌ قَدْ رَدَّهُ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - فَقَالَ أَيَلْزَمُنَا الْوُضُوءُ بِمَسِّ عِيدَانٍ يَابِسَةٍ، وَلَوْ ثَبَتَ فَالْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ «مَنْ غَمَّضَ مَيِّتًا فَلْيَتَوَضَّأْ» غُسْلُ الْيَدِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَخْلُو عَنْ قَذَارَةٍ عَادَةً، وَقَوْلُهُ «مَنْ غَسَّلَ مَيِّتًا فَلْيَغْتَسِلْ» إذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute