لِأَنَّهُ غَيْرُ مَمْنُوعٍ عَنْ تَغْطِيَةِ سَائِرِ الْجَسَدِ سِوَى الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ، وَلَكِنْ يُكْرَهُ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ عِلَّةٍ كَمَا يُكْرَهُ شَدُّ الْإِزَارِ وَشَدُّ الرِّدَاءِ عَلَى مَا بَيَّنَّا
(قَالَ): وَإِنْ غَطَّى الْمُحْرِمُ رُبْعَ رَأْسِهِ أَوْ وَجْهِهِ يَوْمًا فَعَلَيْهِ دَمٌ، وَإِنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَالَ: إنْ غَطَّى أَكْثَرَ رَأْسِهِ فَعَلَيْهِ دَمٌ وَإِلَّا فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ؛ لِأَنَّ الْقَلِيلَ مِنْ تَغْطِيَةِ الرَّأْسِ لَا تَتِمُّ بِهِ الْجِنَايَةُ وَالْقِلَّةُ وَالْكَثْرَةُ إنَّمَا تَظْهَرُ بِالْمُقَابَلَةِ، وَهَذَا أَصْلُ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْمَسَائِلِ، وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ الْجَوَابُ قَالَ: مَا يَتَعَلَّقُ بِالرَّأْسِ مِنْ الْجِنَايَةِ فَلِلرُّبْعِ فِيهِ حُكْمُ الْكَمَالِ كَالْحَلْقِ، وَهَذَا لِأَنَّ تَغْطِيَةَ بَعْضِ الرَّأْسِ اسْتِمْتَاعٌ مَقْصُودٌ يَفْعَلُهُ الْأَتْرَاكُ وَغَيْرُهُمْ عَادَةً بِمَنْزِلَةِ حَلْقِ بَعْضِ الرَّأْسِ فَأَمَّا الْمُحْرِمَةُ تُغَطِّي كُلَّ شَيْءٍ مِنْهَا إلَّا وَجْهَهَا وَتَلْبَسُ كُلَّ شَيْءٍ مِنْ الْمَخِيطِ وَغَيْرِهِ إلَّا الثَّوْبَ الْمَصْبُوغَ فَإِنَّ فِيمَا لَا حَاجَةَ بِهَا إلَى لُبْسِهِ فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ الرَّجُلِ وَفِيمَا تَحْتَاجُ إلَى لُبْسِهِ وَسَتْرِهِ يُخَالِفُ حَالُهَا حَالَ الرَّجُلِ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ
(قَالَ): وَلَا بَأْسَ لَهَا أَنْ تَلْبَسَ الْقُفَّازَيْنِ هَكَذَا رُوِيَ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ كَانَ يُلْبِسُ بَنَاتَه الْقُفَّازَيْنِ فِي الْإِحْرَامِ وَلَهَا أَنْ تَلْبَسَ الْحَرِيرَ وَالْحُلِيَّ وَعَنْ عَطَاءٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ يُكْرَهُ لِلنِّسَاءِ لُبْسُ الْحُلِيِّ فِي الْإِحْرَامِ. وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ كَانَ يُلْبِسُ نِسَاءَهُ الْحُلِيَّ فِي حَالَةِ الْإِحْرَامِ «وَرَأَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - امْرَأَتَيْنِ تَطُوفَانِ بِالْبَيْتِ وَعَلَيْهِمَا سِوَارَانِ مِنْ ذَهَبٍ» الْحَدِيثَ فَدَلَّ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ
(قَالَ): وَكُلُّ مَا يَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَلْبَسَهُ فِي غَيْرِ حَالَةِ الْإِحْرَامِ فَكَذَلِكَ يَحِلُّ فِي حَالَةِ الْإِحْرَامِ إلَّا الْمَصْبُوغَ عَلَى مَا بَيَّنَّا
(قَالَ): وَلَا بَأْسَ بِأَنْ تَسْدُلَ الْخِمَارَ عَلَى وَجْهِهَا مِنْ فَوْقِ رَأْسِهَا عَلَى وَجْهٍ لَا يُصِيبُ وَجْهَهَا، وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -؛ لِأَنَّ تَغْطِيَةَ الْوَجْهِ إنَّمَا يَحْصُلُ بِمَا يُمَاسُّ وَجْهَهَا دُونَ مَا لَا يُمَاسُّهُ فَيَكُونُ هَذَا فِي مَعْنَى دُخُولِهَا تَحْتَ سَقْفٍ. وَيُكْرَهُ أَنْ تَلْبَسَ الْبُرْقُعَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُمَاسُّ وَجْهَهَا فَإِنْ لَبِسَ الْمُحْرِمُ مَا لَا يَحِلُّ لَهُ مِنْ الثِّيَابِ أَوْ الْخِفَافِ يَوْمًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ لِضَرُورَةٍ فَعَلَيْهِ أَيُّ الْكَفَّارَاتِ شَاءَ، وَقَدْ بَيَّنَّا فِيمَا سَبَقَ أَنَّ مَا يَجِبُ الدَّمُ بِلُبْسِهِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الضَّرُورَةِ إذَا لَبِسَهُ لِأَجْلِ الضَّرُورَةِ يَتَخَيَّرُ فِيهِ بَيْنَ الْكَفَّارَاتِ مَا شَاءَ، وَذَكَرَ فِي الرُّقَيَّاتِ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَالَ: إذَا اُضْطُرَّ إلَى لُبْسِ قَمِيصٍ فَلَبِسَ قَمِيصَيْنِ فَعَلَيْهِ أَيُّ الْكَفَّارَاتِ شَاءَ، وَإِذَا اُضْطُرَّ إلَى لُبْسِ قَمِيصٍ فَلَبِسَ مَعَهُ عِمَامَةً أَوْ قَلَنْسُوَةً فَعَلَيْهِ دَمٌ فِي لُبْسِ الْقَلَنْسُوَةِ وَيَتَخَيَّرُ فِي الْكَفَّارَاتِ أَيُّهَا شَاءَ فِي لُبْسِ الْقَمِيصِ؛ لِأَنَّ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ زِيَادَةً فِي مَوْضِعِ الضَّرُورَةِ فَلَا تَكُونُ جِنَايَةً مُبْتَدَأَةً كَمَا لَوْ اضْطَرَّ إلَى لُبْسِ قَمِيصٍ فَلَبِسَ جُبَّةً، وَفِي الْفَصْلِ الثَّانِي الزِّيَادَةُ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute