للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَا رَوَاهُ الْأَسْوَدُ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - يَقُولُ: مَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ تَحَلَّلَ بِعُمْرَةٍ وَعَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ، ثُمَّ لَقِيتُ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بَعْدَ ذَلِكَ بِثَلَاثِينَ سَنَةً فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ مِثْلَ ذَلِكَ، وَكَانَ الْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الْإِحْرَامَ بَعْدَ مَا انْعَقَدَ صَحِيحًا فَطَرِيقُ الْخُرُوجِ عَنْهُ أَدَاءُ أَحَدِ النُّسُكَيْنِ إمَّا الْحَجُّ أَوْ الْعُمْرَةُ كَمَنْ أَحْرَمَ إحْرَامًا بِهِمَا وَهُنَا تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الْخُرُوجُ عَنْهُ بِالْحَجِّ حِينَ فَاتَهُ الْحَجُّ فَعَلَيْهِ الْخُرُوجُ بِعَمَلِ الْعُمْرَةِ، ثُمَّ إنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - أَصْلُ إحْرَامِهِ بَاقٍ بِالْحَجِّ وَيَتَحَلَّلُ بِعَمَلِ الْعُمْرَةِ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَصِيرُ إحْرَامُهُ إحْرَامَ عُمْرَةٍ، وَعِنْدَ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مَا يُؤَدِّيهِ مِنْ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ بَقَايَا أَعْمَالِ الْحَجِّ؛ لِأَنَّهُ بِالْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ الْتَزَمَ أَدَاءَ أَفْعَالٍ يَفُوتُ بَعْضُهَا بِمُضِيِّ الْوَقْتِ وَلَا يَفُوتُهُ الْبَعْضُ فَيَسْقُط عَنْهُ مَا يَفُوتُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ وَيَلْزَمُهُ مَا لَا يَفُوتُ وَهُوَ الطَّوَافُ وَالسَّعْيُ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - قَالَا: الطَّوَافُ وَالسَّعْيُ لِلْحَجِّ إنَّمَا يَتَحَلَّلُ بِهِمَا مِنْ الْإِحْرَامِ بَعْدَ الْوُقُوفِ، فَأَمَّا قَبْلَ الْوُقُوفِ فَلَا، وَحَاجَتُهُ إلَى التَّحَلُّلِ هُنَا قَبْلَ الْوُقُوفِ فَإِنَّمَا يَأْتِي بِطَوَافٍ وَسَعْيٍ يَتَحَلَّلُ بِهِمَا مِنْ الْإِحْرَامِ، وَذَلِكَ طَوَافُ الْعُمْرَةِ وَلِهَذَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: يَصِيرُ أَصْلُ إحْرَامِهِ لِلْعُمْرَةِ ضَرُورَةً؛ لِأَنَّ التَّحَلُّلَ بِطَوَافِ الْعُمْرَةِ إنَّمَا يَكُونُ بِإِحْرَامِ الْعُمْرَةِ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - قَالَا: لَا يُمْكِنُ جَعْلُ إحْرَامِهِ لِلْعُمْرَةِ إلَّا بِفَسْخِ إحْرَامِ الْحَجِّ الَّذِي كَانَ شَرَعَ فِيهِ وَلَا طَرِيقَ لَنَا إلَى ذَلِكَ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ الْمَكِّيَّ إذَا فَاتَهُ الْحَجُّ يَتَحَلَّلُ بِعَمَلِ الْعُمْرَةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ الْحَرَمِ، وَلَوْ انْقَلَبَ إحْرَامُهُ لِلْعُمْرَةِ لَكَانَ يَلْزَمُهُ الْخُرُوجُ إلَى الْحَرَمِ؛ لِأَنَّهُ مِيقَاتُ إحْرَامِ الْعُمْرَةِ فِي حَقِّ الْمَكِّيِّ

(قَالَ): فَإِنْ كَانَ أَهَلَّ بِحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ فَقَدِمَ مَكَّةَ، وَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ فَإِنَّهُ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ لِحَجِّهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ وَلَا يَجْعَلُ مَا أَتَى بِهِ مِنْ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ قَبْلَ فَوَاتِ الْحَجِّ كَافِيًا لِلتَّحَلُّلِ عَنْ إحْرَامِ الْحَجِّ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ طَوَافَ التَّحِيَّةِ وَهُوَ سُنَّةٌ فَلَا يَحْصُلُ بِهِ التَّحَلُّلُ فَإِنْ كَانَ طَافَ لِعُمْرَتِهِ وَسَعَى فَقَدْ أَتَى بِهِمَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ طَافَ بِعُمْرَتِهِ يَطُوفُ لَهَا الْآنَ؛ لِأَنَّ الْعُمْرَةَ لَا تَفُوتُهُ، ثُمَّ يَطُوفُ بَعْدَ ذَلِكَ لِحَجَّتِهِ وَيَسْعَى حَتَّى يَتَحَلَّلَ، وَهَذَا دَلِيلٌ لِأَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - عَلَى أَنَّ أَصْلَ إحْرَامِهِ لَا يَنْقَلِبُ عُمْرَةً؛ لِأَنَّهُ لَوْ انْقَلَبَ عُمْرَةً لَصَارَ جَامِعًا بَيْنَ إحْرَامِ عُمْرَتَيْنِ وَأَدَائِهِمَا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ، ثُمَّ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الدَّمُ بِالْقِيَاسِ عَلَى الْمُحْصَرِ، وَهَذَا فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ الْمُحْصَرَ عَاجِزٌ عَنْ التَّحَلُّلِ بِالطَّوَافِ وَالسَّعْيِ وَفَائِتُ الْحَجِّ قَادِرٌ عَلَى ذَلِكَ، ثُمَّ فَائِتُ الْحَجِّ يَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ حِينَ يَسْتَلِمَ الْحَجَرَ فِي الطَّوَافِ

<<  <  ج: ص:  >  >>