الْقِيَاسِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ مِنْ الْكَلْبِ يَكُونُ مُحَالًا عَلَى أَصْلِ الْإِرْسَالِ دُونَ الزَّجْرِ، أَلَا تَرَى لَوْ أَنَّ مُسْلِمًا أَرْسَلَ كَلْبَهُ عَلَى صَيْدٍ فَزَجَرَهُ مَجُوسِيٌّ فَانْزَجَرَ حَتَّى أَخَذَ الصَّيْدَ حَلَّ تَنَاوُلُهُ، وَأَصْلُ الْإِرْسَالِ هُنَا لَمْ يَكُنْ جِنَايَةً فَوُجُودُ الزَّجْرِ بَعْدَ ذَلِكَ كَعَدَمِهِ، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ فِي هَذَا الزَّجْرِ مُتَسَبِّبٌ لِأَخْذِ الصَّيْدِ، وَهُوَ مُتَعَدٍّ فِي هَذَا التَّسَبُّبِ، ثُمَّ أَصْلُ الْإِرْسَالِ هُنَا مَا انْعَقَدَ تَعَدِّيًا، وَكَانَ ذَلِكَ فِي حُكْمِ الزَّجْرِ كَالْمَعْدُومِ أَصْلًا، وَهُوَ نَظِيرُ الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الصَّيْدِ أَنَّ الْكَلْبَ الْمُعَلَّمَ إذَا انْبَعَثَ عَلَى أَثَرِ الصَّيْدِ مِنْ غَيْرِ إرْسَالِهِ فَزَجَرَهُ صَاحِبُهُ فَانْزَجَرَ حَتَّى أَخَذَ الصَّيْدَ إنَّمَا يَحِلُّ تَنَاوُلُهُ اسْتِحْسَانًا بِخِلَافِ مَا إذَا أَرْسَلَهُ مَجُوسِيٌّ، ثُمَّ زَجَرَهُ مُسْلِمٌ؛ لِأَنَّ أَصْلَ الْإِرْسَالِ هُنَاكَ كَانَ مُعْتَبَرًا فَيُحَالُ الْحُكْمُ عَلَيْهِ دُونَ الزَّجْرِ
(قَالَ): وَلَوْ أَرْسَلَ كَلْبًا فِي الْحَرَمِ عَلَى ذِئْبٍ فَأَصَابَ صَيْدًا فِي الْحَرَمِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ فِي هَذَا السَّبَبِ فَإِنَّ إرْسَالَ الْكَلْبِ عَلَى الذِّئْبِ مُبَاحٌ لَهُ فَلِهَذَا لَا يُوجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانَ، وَإِنْ أَخَذَ الْكَلْبُ الصَّيْدَ بِخِلَافِ مَا إذَا رَمَى إلَى الذِّئْبِ فَأَصَابَ صَيْدًا؛ لِأَنَّهُ مُبَاشِرٌ فَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِ مَعْنَى التَّعَدِّي، وَلَكِنَّ قَتْلَ الصَّيْدِ فِي الْحَرَمِ خَطَأً مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ كَقَتْلِهِ عَمْدًا. وَكَذَلِكَ لَوْ أَرْسَلَ حَلَالٌ كَلْبًا عَلَى الصَّيْدِ فِي الْحِلِّ فَذَهَبَ الْكَلْبُ إلَى صَيْدٍ فِي الْحَرَمِ فَقَتَلَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ جَزَاءٌ كَمَا لَوْ دَخَلَ الصَّيْدُ الَّذِي أَرْسَلَهُ عَلَيْهِ فِي الْحَرَمِ فَقَتَلَهُ فِيهِ
(قَالَ): وَلَوْ أَرْسَلَ الْمَجُوسِيُّ كَلْبًا عَلَى صَيْدٍ فِي الْحَرَمِ فَزَجَرَهُ مُسْلِمٌ مُحْرِمٌ فَانْزَجَرَ فَقَتَلَ الصَّيْدَ كَانَ عَلَى الْمُحْرِمِ جَزَاؤُهُ؛ لِأَنَّ زَجْرَ الْمُحْرِمِ لَا يَكُونُ دُونَ دَلَالَتِهِ عَلَى الصَّيْدِ وَالْمُحْرِمُ يَضْمَنُ الصَّيْدَ بِالدَّلَالَةِ فَبِالزَّجْرِ أَوْلَى، وَلَا يُؤْكَلُ ذَلِكَ الصَّيْدُ لَا لِزَجْرِ الْمُحْرِمِ فَإِنَّ حُرْمَةَ الصَّيْدِ تَثْبُتُ بِهِ كَمَا تَثْبُتُ بِالدَّلَالَةِ، وَلَكِنْ لِأَنَّ أَخْذَهُ مُحَالٌ بِهِ عَلَى أَصْلِ الْإِرْسَالِ وَالْمُرْسِلُ كَانَ مَجُوسِيًّا
(قَالَ): وَلَوْ نَصَبَ شَبَكَةً لِلصَّيْدِ فَأَصَابَ الصَّيْدَ فَعَلَيْهِ جَزَاؤُهُ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِي هَذَا التَّسَبُّبِ، وَلَوْ نَصَبَهَا لِذِئْبٍ أَوْ سَبُعٍ آذَاهُ وَابْتَدَأَهُ فَوَقَعَ فِيهِ صَيْدٌ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ فِي هَذَا التَّسَبُّبِ، وَهُوَ قِيَاسُ نَصْبِ الْفُسْطَاطِ مِنْ الْمُحْرِمِ عَلَى مَا سَبَقَ
(قَالَ): مُحْرِمٌ دَلَّ مُحْرِمًا عَلَى صَيْدٍ وَأَمَرَهُ بِقَتْلِهِ وَأَمَرَ الْمَأْمُورُ ثَانِيًا بِقَتْلِهِ فَقَتَلَهُ كَانَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ جَزَاءٌ كَامِلٌ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ جَانٍ عَلَى الصَّيْدِ بِمَا صَنَعَ الْقَاتِلُ بِالْمُبَاشَرَةِ، وَالْآمِرُ الثَّانِي بِدَلَالَةِ الْقَاتِلِ عَلَيْهِ وَالْآمِرُ الْأَوَّلُ بِإِعْلَامِهِ الْآمِرَ الثَّانِيَ بِمَكَانِ الصَّيْدِ حَتَّى أَمَرَ بِهِ غَيْرَهُ فَكَانُوا جَمِيعًا ضَامِنِينَ، وَهَذَا لِأَنَّ فِعْلَ الْمَأْمُورِ وَالثَّانِي كَفِعْلِ آمِرِهِ، وَلَوْ قَتَلَ الْآمِرُ الثَّانِي وَجَبَ الْجَزَاءُ بِهِ عَلَى الْآمِرِ الْأَوَّلِ، فَكَذَلِكَ إذَا أَمَرَ بِهِ غَيْرَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute