أَصْلِ الْقِيَاسِ وَالشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - اسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تُنْكَحُ الْيَتِيمَةُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ» وَالْيَتِيمَةُ الصَّغِيرَةُ الَّتِي لَا أَبَ لَهَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يُتْمَ بَعْدَ الْحُلُمِ»، فَقَدْ نَفَى فِي هَذَا الْحَدِيثِ نِكَاحَ الْيَتِيمَةِ حَتَّى تَبْلُغَ فَتُسْتَأْمَرَ، وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّ «قُدَامَةَ بْنَ مَظْعُونٍ زَوَّجَ ابْنَةَ أَخِيهِ عُثْمَانَ بْنَ مَظْعُونٍ مِنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فَرَدَّهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَقَالَ: إنَّهَا يَتِيمَةٌ وَإِنَّهَا لَا تُنْكَحُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ»، وَهُوَ الْمَعْنَى فِي الْمَسْأَلَةِ فَنَقُولُ هَذِهِ يَتِيمَةٌ فَلَا يَجُوزُ تَزْوِيجُهَا بِغَيْرِ رِضَاهَا كَالْبَالِغَةِ وَتَأْثِيرُ هَذَا الْوَصْفِ أَنَّ مُزَوِّجَ الْيَتِيمَةِ قَاصِرُ الشَّفَقَةِ عَلَيْهَا وَلِقُصُورِ الشَّفَقَةِ لَا تَثْبُتُ وِلَايَتُهُ فِي الْمَالِ وَحَاجَتُهَا إلَى التَّصَرُّفِ فِي الْمَالِ فِي الصِّغَرِ أَكْثَرُ مِنْ حَاجَتِهَا إلَى التَّصَرُّفِ فِي النَّفْسِ فَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ لِلْوَلِيِّ وِلَايَةُ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهَا مَعَ الْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ فَلَأَنْ لَا يَثْبُتُ لَهُ وِلَايَةُ التَّصَرُّفِ فِي نَفْسِهَا كَانَ أَوْلَى.
وَحُجَّتُنَا قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى} [النساء: ٣] الْآيَةُ مَعْنَاهُ فِي نِكَاحِ الْيَتَامَى، وَإِنَّمَا يَتَحَقَّقُ هَذَا الْكَلَامُ إذَا كَانَ يَجُوزُ نِكَاحُ الْيَتِيمَةِ، وَقَدْ نُقِلَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فِي تَأْوِيلِ الْآيَةِ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي يَتِيمَةٍ تَكُونُ فِي حِجْرِ وَلِيِّهَا يَرْغَبُ فِي مَالِهَا وَجَمَالِهَا، وَلَا يُقْسِطُ فِي صَدَاقِهَا فَنُهُوا عَنْ نِكَاحِهِنَّ حَتَّى يَبْلُغُوا بِهِنَّ أَعْلَى سُنَّتِهِنَّ فِي الصَّدَاقِ، وَقَالَتْ فِي تَأْوِيلِ قَوْله تَعَالَى {فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ} [النساء: ١٢٧] أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي يَتِيمَةٍ تَكُونُ فِي حِجْرِ وَلِيِّهَا، وَلَا يَرْغَبُ فِي نِكَاحِهَا لِدَمَامَتِهَا، وَلَا يُزَوِّجُهَا مِنْ غَيْرِهِ كَيْ لَا يُشَارِكَهُ فِي مَالِهَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ فَأَمَرَ الْأَوْلِيَاءَ بِتَزَوُّجِ الْيَتَامَى أَوْ بِتَزْوِيجِهِنَّ مِنْ غَيْرِهِمْ فَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ تَزْوِيجِ الْيَتِيمَةِ «. وَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِنْتَ عَمِّهِ حَمْزَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهِيَ صَغِيرَةٌ» وَالْآثَارُ فِي جَوَازِ ذَلِكَ مَشْهُورَةٌ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُ وَلِيُّهَا بَعْدَ الْبُلُوغِ فَيَكُونُ وَلِيًّا لَهَا فِي حَالِ الصِّغَرِ كَالْأَبِ وَالْجَدِّ، وَهَذَا لِأَنَّ تَأْثِيرَ الْبُلُوغِ فِي زَوَالِ الْوِلَايَةِ فَإِذَا جُعِلَ هُوَ وَلِيًّا بَعْدَ بُلُوغِهَا بِهَذَا السَّبَبِ عَرَفْنَا أَنَّهُ وَلِيُّهَا فِي حَالِ الصِّغَرِ وَبِهِ فَارَقَ الْمَالَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَفِيدُ الْوِلَايَةَ بِهَذَا السَّبَبِ فِي الْمَالِ بِحَالٍ، وَكَانَ الْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الْمَالَ تَجْرِي فِيهِ الْجِنَايَاتُ الْخَفِيَّةُ، وَهَذَا الْوَلِيُّ قَاصِرُ الشَّفَقَةِ فَرُبَّمَا يَحْمِلُهُ ذَلِكَ عَلَى تَرْكِ النَّظَرِ لَهَا، فَأَمَّا الْجِنَايَةُ فِي النَّفْسِ مِنْ حَيْثُ التَّقْصِيرُ فِي الْمَهْرِ وَالْكَفَاءَةِ، وَذَلِكَ ظَاهِرٌ يُوقَفُ عَلَيْهِ إنْ فَعَلَهُ يُرَدُّ عَلَيْهِ تَصَرُّفُهُ، وَلِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى إثْبَاتِ الْوِلَايَةِ لِهَؤُلَاءِ فِي الْمَالِ فَإِنَّ الْوَصِيَّ يَتَصَرَّفُ فِي الْمَالِ وَالْأَبُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ نَصْبِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute