رِوَايَتَانِ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ قَالَ: مِنْ جَابَلْقَا إلَى جَابَلْتَا وَهُمَا قَرْيَتَانِ إحْدَاهُمَا بِالْمَشْرِقِ وَالْأُخْرَى بِالْمَغْرِبِ فَقَالُوا هَذَا رُجُوعٌ مِنْهُ إلَى قَوْلِ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ الْوِلَايَةَ لَا تَثْبُتُ لِلْأَبْعَدِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ هَذَا عَلَى طَرِيقِ الْمَثَلِ، وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى قَالَ: مِنْ بَغْدَادَ إلَى الرَّيِّ، وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ: مِنْ الْكُوفَةِ إلَى الرَّيِّ وَمِنْ مَشَايِخِنَا - رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى - مَنْ يَقُولُ: حَدُّ الْغَيْبَةِ الْمُنْقَطِعَةِ أَنْ يَكُونَ جَوَّالًا مِنْ مَوْضِعٍ إلَى مَوْضِعٍ فَلَا يُوقَفُ عَلَى أَثَرِهِ أَوْ يَكُونَ مَفْقُودًا لَا يُعْرَفُ خَبَرُهُ، وَقِيلَ: إنْ كَانَ فِي مَوْضِعٍ يَقْطَعُ الْكِرَى إلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ فَلَيْسَتْ الْغَيْبَةُ بِمُنْقَطِعَةٍ، وَإِنْ كَانَ إنَّمَا يَقْطَعُ الْكِرَى إلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ بِدَفْعَتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ فَالْغَيْبَةُ مُنْقَطِعَةٌ، وَقِيلَ: إنْ كَانَتْ الْقَوَافِلُ تَنْفِرُ إلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ فِي كُلِّ عَامٍ فَالْغَيْبَةُ لَيْسَتْ بِمُنْقَطِعَةٍ وَإِنْ كَانَتْ لَا تَنْفِرُ فَالْغَيْبَةُ مُنْقَطِعَةٌ. وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إذَا كَانَ فِي مَوْضِعٍ لَوْ اُنْتُظِرَ حُضُورُهُ أَوْ اسْتِطْلَاعُ رَأْيِهِ فَاتَ الْكُفْءُ الَّذِي حَضَرَ لَهَا فَالْغَيْبَةُ مُنْقَطِعَةٌ، وَإِنْ كَانَ لَا يَفُوتُ فَالْغَيْبَةُ لَيْسَتْ بِمُنْقَطِعَةٍ وَبَعْدَ مَا تَثْبُتُ الْوِلَايَةُ لِلْأَبْعَدِ إذَا زَوَّجَهَا، ثُمَّ حَضَرَ الْأَقْرَبُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ نِكَاحَهَا؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ عُقِدَ بِوِلَايَةٍ تَامَّةٍ
(قَالَ): وَلَا يَجُوزُ لِغَيْرِ الْوَلِيِّ تَزْوِيجُ الصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ» قَالَ: وَالْوَصِيُّ لَيْسَ بِوَلِيٍّ عِنْدَنَا فِي التَّزْوِيجِ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لِلْوَصِيِّ وِلَايَةُ التَّزْوِيجِ؛ لِأَنَّ وَصِيَّ الْأَبِ قَائِمٌ مَقَامَ الْأَبِ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى النَّظَرِ لِلْمُوَلَّى عَلَيْهِ.
أَلَا تَرَى أَنَّهُ فِي التَّصَرُّفِ فِي الْمَالِ يَقُومُ مَقَامَهُ، فَكَذَلِكَ فِي التَّصَرُّفِ فِي النَّفْسِ وَمَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ: إنْ نُصَّ فِي الْوِصَايَةِ عَلَى التَّزْوِيجِ فَلَهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا كَمَا لَوْ وَكَّلَ بِذَلِكَ فِي حَيَاتِهِ، وَإِنْ لَمْ يَنُصَّ عَلَى ذَلِكَ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَ، وَلَكِنَّا نَسْتَدِلُّ بِمَا رَوَيْنَا «النِّكَاحُ إلَى الْعَصَبَاتِ» وَالْوَصِيُّ لَيْسَ بِعَصَبَةٍ إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ قَرَابَتِهِ فَهُوَ كَسَائِرِ الْأَجَانِبِ فِي التَّزْوِيجِ، وَإِنْ كَانَ الْوَصِيُّ مِنْ الْقَرَابَةِ بِأَنْ كَانَ عَمَّا أَوْ غَيْرَهُ فَلَهُ وِلَايَةُ التَّزْوِيجِ بِالْقَرَابَةِ لَا بِالْوِصَايَةِ، وَلِهَذَا يَثْبُتُ لَهُمَا الْخِيَارُ إذَا أَدْرَكَا، وَإِنْ حَصَلَ التَّزْوِيجُ مِمَّنْ لَهُ وِلَايَةُ التَّصَرُّفِ فِي الْمَالِ وَالنَّفْسِ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ وِلَايَتَهُ فِي الْمَالِ بِسَبَبِ الْوِصَايَةِ، وَلَا تَأْثِيرَ لِلْوِصَايَةِ فِي وِلَايَةِ التَّزْوِيجِ فَكَانَ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَا فِي حِجْرِ رَجُلٍ يَعُولُهُمَا فَحَالُ هَذَا الرَّجُلِ دُونَ حَالِ الْوَصِيِّ فَلَا يَثْبُتُ لَهُ وِلَايَةُ التَّزْوِيجِ، وَلِأَنَّ مَنْ يَعُولُ الصَّغِيرَ إنَّمَا يَمْلِكُ عَلَيْهِ مَا يَتَمَحَّضُ مَنْفَعَةً لِلصَّغِيرِ كَالْحِفْظِ وَقَبُولِ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالنِّكَاحُ لَيْسَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ
(قَالَ): وَمَوْلَى الْعَتَاقَةِ تَثْبُتُ لَهُ الْوِلَايَةُ إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ أَحَدٌ مِنْ الْقَرَابَةِ؛ لِأَنَّ الْعُصُوبَةَ تُسْتَحَقُّ بِوَلَاءِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute