للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالصَّدَاقِ لِيُوَفِّرَ سَائِرَ الْمَقَاصِدِ عَلَيْهَا، وَذَلِكَ أَنْفَعُ لَهَا مِنْ الصَّدَاقِ وَالْكَفَاءَةِ فَكَانَ تَصَرُّفُهُ وَاقِعًا بِصِفَةِ النَّظَرِ فَيَجُوزُ كَالْوَصِيِّ إذَا صَانَعَ فِي مَالِ الْيَتِيمِ جَازَ ذَلِكَ لِحُصُولِ النَّظَرِ فِي تَصَرُّفِهِ، وَإِنْ كَانَ هُوَ فِي الظَّاهِرِ يُعْطِي مَالًا غَيْرَ وَاجِبٍ، وَهَذَا بِخِلَافِ تَصَرُّفِ الْأَبِ فِي الْمَالِ إذْ لَا مَقْصُودَ هُنَاكَ سِوَى الْمَالِيَّةِ فَإِذَا قَصَّرَ فِي الْمَالِيَّةِ فَلَيْسَ بِإِزَاءِ هَذَا النُّقْصَانِ مَا يَجْبُرُهُ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا زَوَّجَ أَمَتَهُمَا؛ لِأَنَّ سَائِرَ مَقَاصِدِ النِّكَاحِ لَا تَحْصُلُ لِلصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ هُنَا إنَّمَا يَحْصُلُ لِلْأَمَةِ فَفِي حَقِّ الصَّغِيرِ قَدْ انْعَدَمَ مَا يَكُونُ جَبْرًا لِلنُّقْصَانِ وَبِخِلَافِ الْعَمِّ وَالْأَخِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُمَا شَفَقَةٌ وَافِرَةٌ فَيُحْمَلُ تَقْصِيرُهُمَا فِي الْكَفَاءَةِ وَالْمَهْرِ عَلَى مَعْنَى تَرْكِ النَّظَرِ وَالْمَيْلِ إلَى الرِّشْوَةِ لَا لِتَحْصِيلِ سَائِرِ الْمَقَاصِدِ وَبِخِلَافِ الْمَرْأَةِ فِي نِكَاحِ نَفْسِهَا؛ لِأَنَّهَا سَرِيعَةُ الِانْخِدَاعِ ضَعِيفَةُ الرَّأْيِ مُتَابِعَةٌ لِلشَّهْوَةِ عَادَةً فَيَكُونُ تَقْصِيرُهَا فِي الْكَفَاءَةِ وَالصَّدَاقِ لِمُتَابَعَةِ الْهَوَى لَا لِتَحْصِيلِ سَائِرِ الْمَقَاصِدِ عَلَى أَنَّ سَائِرَ الْمَقَاصِدِ تَحْصُلُ لَهَا دُونَ الْأَوْلِيَاءِ وَبِسَبَبِ عَدَمِ الْكَفَاءَةِ وَالنُّقْصَانِ فِي الصَّدَاقِ يَتَعَيَّرُ الْأَوْلِيَاءُ، وَلَيْسَ بِإِزَاءِ هَذَا النُّقْصَانِ فِي حَقِّهِمْ مَا يَكُونُ جَابِرًا فَلِهَذَا يَثْبُتُ لَهُمْ حَقُّ الِاعْتِرَاضِ

(قَالَ) وَإِذَا أَقَرَّ الْوَالِدُ عَلَى الصَّغِيرِ أَوْ الصَّغِيرَةِ بِالنِّكَاحِ لَمْ يَثْبُتْ النِّكَاحُ بِإِقْرَارِهِ مَا لَمْ يَشْهَدْ بِهِ شَاهِدَانِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - يَثْبُتُ النِّكَاحُ بِإِقْرَارِهِ، وَإِنَّمَا يَتَبَيَّنُ هَذَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا أَقَرَّ الْوَلِيُّ عَلَيْهِمَا، ثُمَّ أَدْرَكَا وَكَذَّبَاهُ وَأَقَامَ الْمُدَّعِي عَلَيْهِمَا بَعْدَ الْبُلُوغِ شَاهِدَيْنِ بِإِقْرَارِ الْوَلِيِّ بِالنِّكَاحِ فِي الصِّغَرِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْوَكِيلُ مِنْ جِهَةِ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ إذَا أَقَرَّ عَلَى مُوَكِّلِهِ بِالنِّكَاحِ، وَكَذَلِكَ الْمَوْلَى إذَا أَقَرَّ عَلَى عَبْدِهِ بِالنِّكَاحِ فَهُوَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ أَيْضًا أَمَّا إذَا أَقَرَّ عَلَى أَمَتِهِ بِالنِّكَاحِ صَحَّ إقْرَارُهُ بِالِاتِّفَاقِ فَهُمَا يَقُولَانِ أَقَرَّ بِمَا يَمْلِكُ إنْشَاءَهُ فَيَصِحُّ كَالْمَوْلَى إذَا أَقَرَّ عَلَى أَمَتِهِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ خَبَرٌ مُتَمَثِّلٌ بَيْنَ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ فَإِذَا حَصَلَ بِمَا لَا يَمْلِكُ إنْشَاءَهُ تَتَمَكَّنُ التُّهْمَةُ فِي إخْرَاجِ الْكَلَامِ مَخْرَجَ الْإِخْبَارِ وَإِذَا حَصَلَ بِمَا لَا يَمْلِكُ إنْشَاءَهُ لَا يَكُونُ مُتَّهَمًا فِي إخْرَاجِ الْكَلَامِ مَخْرَجَ الْإِخْبَارِ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ تَحْصِيلِ الْمَقْصُودِ بِطَرِيقِ الْإِنْشَاءِ.

أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُطَلِّقَ إذَا قَالَ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ: كُنْتُ رَاجَعْتُهَا كَانَ مُصَدَّقًا بِخِلَافِ مَا لَوْ أَقَرَّ بِذَلِكَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ: هَذَا إقْرَارٌ عَلَى الْغَيْرِ وَالْإِقْرَارُ عَلَى الْغَيْرِ لَا يَكُونُ حُجَّةً؛ لِأَنَّهُ شَهَادَةٌ وَشَهَادَةُ الْفَرْدِ لَا تُثْبِتُ الْحُكْمَ، بَقِيَ كَوْنُهُ مَالِكًا لِلْإِنْشَاءِ فَنَقُولُ هُوَ لَا يَمْلِكُ إنْشَاءَ هَذَا الْعَقْدِ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ كَمَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا نِكَاحَ إلَّا بِشُهُودٍ» فَلَا يَمْلِكُ الْإِقْرَارَ بِهِ إلَّا مِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>