للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَبِهِ نَقُولُ: أَنَّ مَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهَا مِنْ التَّزَوُّجِ بِزَوْجٍ آخَرَ، وَأَمَّا الْأَخْبَارُ فَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا» وَالْأَيِّمُ: اسْمٌ لِامْرَأَةٍ لَا زَوْجَ لَهَا بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْكَرْخِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَالَ: الْأَيِّمُ مِنْ النِّسَاءِ كَالْأَعْزَبِ مِنْ الرِّجَالِ بِخِلَافِ مَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ الْأَيِّمَ: اسْمٌ لِلثَّيِّبِ، وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِي شَرْحِ الْجَامِعِ.

وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَيْسَ لِلْوَلِيِّ مَعَ الثَّيِّبِ أَمْرٌ»، وَحَدِيثُ الْخَنْسَاءِ حَيْثُ «قَالَتْ: بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَكِنِّي أَرَدْت أَنْ تَعْلَمَ النِّسَاءُ أَنْ لَيْسَ إلَى الْآبَاءِ مِنْ أُمُورِ بَنَاتِهِمْ شَيْءٌ» «وَلَمَّا خَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ أُمَّ سَلَمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - اعْتَذَرَتْ بِأَعْذَارٍ مِنْ جُمْلَتِهَا أَنَّ أَوْلِيَاءَهَا غُيَّبٌ فَقَالَ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْسَ فِي أَوْلِيَائِك مَنْ لَا يَرْضَى بِي قُمْ يَا عُمَرُ فَزَوِّجْ أُمَّك مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَاطَبَ بِهِ عُمَرَ بْنَ أَبِي سَلَمَةَ وَكَانَ ابْنَ سَبْعِ سِنِينَ» وَعَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - جَوَازُ النِّكَاحِ بِغَيْرِ وَلِيٍّ، وَأَنَّ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - زَوَّجَتْ ابْنَةَ أَخِيهَا حَفْصَةَ بِنْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مِنْ الْمُنْذِرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَهُوَ غَائِبٌ فَلَمَّا رَجَعَ قَالَ: أَوَمِثْلِي يُفْتَاتُ عَلَيْهِ فِي بَنَاتِهِ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -: أَوَتَرْغَبُ عَنْ الْمُنْذِرِ؟ وَاَللَّهِ لَتُمَلِّكَنَّهُ أَمْرَهَا، وَبِهَذَا تَبَيَّنَ أَنَّ مَا رَوَوْا مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - غَيْرُ صَحِيحٍ فَإِنَّ فَتْوَى الرَّاوِي بِخِلَافِ الْحَدِيثِ دَلِيلُ وَهَنِ الْحَدِيثِ، وَمَدَارُ ذَلِكَ الْحَدِيثِ عَلَى الزُّهْرِيِّ وَأَنْكَرَهُ الزُّهْرِيُّ، وَجَوَّزَ النِّكَاحَ بِغَيْرِ وَلِيٍّ.

ثُمَّ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْأَمَةِ إذَا زَوَّجَتْ نَفْسَهَا بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهَا أَوْ عَلَى الصَّغِيرَةِ أَوْ عَلَى الْمَجْنُونَةِ وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْأَخْبَارِ الَّتِي رَوَوْا عَلَى هَذَا تُحْمَلُ أَوْ عَلَى بَيَانِ النَّدْبِ أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ أَنْ لَا تُبَاشِرَ الْمَرْأَةُ الْعَقْدَ وَلَكِنَّ الْوَلِيَّ هُوَ الَّذِي يُزَوِّجُهَا، وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهَا تَصَرَّفَتْ فِي خَالِصِ حَقِّهَا وَلَمْ تُلْحِقْ الضَّرَرَ بِغَيْرِهَا فَيَنْعَقِدُ تَصَرُّفُهَا كَمَا لَوْ تَصَرَّفَتْ فِي مَالِهَا، وَبَيَانُ الْوَصْفِ أَنَّ النِّكَاحَ مِنْ الْكُفْءِ بِمَهْرِ الْمِثْلِ خَالِصُ حَقِّهَا بِدَلِيلِ أَنَّ لَهَا أَنْ تُطَالِبَ الْوَلِيَّ بِهِ، وَيُجْبَرُ الْوَلِيُّ عَلَى الْإِيفَاءِ عِنْدَ طَلَبِهَا، وَهِيَ مِنْ أَهْلِ اسْتِيفَاءِ حُقُوقِ نَفْسِهَا فَإِنَّمَا اسْتَوْفَتْ بِالْمُبَاشَرَةِ حَقَّهَا وَكَفَتْ الْوَلِيَّ الْإِيفَاءَ فَهُوَ نَظِيرُ صَاحِبِ الدَّيْنِ إذَا ظَفِرَ بِجِنْسِ حَقِّهِ فَاسْتَوْفَى كَانَ اسْتِيفَاؤُهُ صَحِيحًا فَكَذَلِكَ هُنَا، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ اخْتِيَارَ الْأَزْوَاجِ إلَيْهَا بِالِاتِّفَاقِ، وَالتَّفَاوُتُ فِي حَقِّ الْأَغْرَاضِ وَالْمَقَاصِدِ إنَّمَا يَقَعُ بِاخْتِيَارِ الزَّوْجِ لَا بِمُبَاشَرَةِ الْعَقْدِ، وَلَوْ كَانَ لِنُقْصَانِ عَقْلِهَا عِبْرَةٌ لَمَا كَانَ لَهَا اخْتِيَارُ الْأَزْوَاجِ، وَكَذَلِكَ إقْرَارُهَا بِالنِّكَاحِ صَحِيحٌ عَلَى نَفْسِهَا وَلَوْ كَانَتْ بِمَنْزِلَةِ الصَّغِيرَةِ مَا صَحَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>