للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لَهَا أَبَوَانِ فِي الْحُرِّيَّةِ، وَهَذَا لِأَنَّ الرِّقَّ أَثَرٌ مِنْ آثَارِ الْكُفْرِ، وَفِيهِ مَعْنَى الذُّلِّ فَكَانَ هُوَ بِمَنْزِلَةِ أَصْلِ الدِّينِ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي قُلْنَا، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ الَّذِي أَسْلَمَ بِنَفْسِهِ أَوْ أُعْتِقَ لَوْ أَحْرَزَ مِنْ الْفَضَائِلِ مَا يُقَابِلُ نَسَبَ الْآخَرِ كَانَ كُفُؤًا لَهُ

(وَالثَّالِثُ): الْكَفَاءَةُ مِنْ حَيْثُ الْمَالُ فَإِنَّ مَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى مَهْرِ امْرَأَةٍ وَنَفَقَتِهَا لَا يَكُونُ كُفُؤًا لَهَا؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ عِوَضُ بُضْعِهَا، وَالنَّفَقَةُ تَنْدَفِعُ بِهَا حَاجَتُهَا، وَهِيَ إلَى ذَلِكَ أَحْوَجُ مِنْهَا إلَى نَسَبِ الزَّوْجِ فَإِذَا كَانَتْ تَنْعَدِمُ الْكَفَاءَةُ بِضَعَةِ نَسَبِ الزَّوْجِ فَبِعَجْزِهِ عَنْ الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ أَوْلَى، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَالَ: إذَا كَانَ يَقْدِرُ عَلَى مَا يُعَجِّلُهُ، وَيَكْتَسِبُ فَيُنْفِقُ عَلَيْهَا يَوْمًا بِيَوْمٍ كَانَ كُفُؤًا لَهَا، وَأَمَّا إذَا كَانَ قَادِرًا عَلَى الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ كَانَ كُفُؤًا لَهَا، وَإِنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ صَاحِبَةَ مَالٍ عَظِيمٍ، وَبَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ اعْتَبَرُوا الْكَفَاءَةَ فِي كَثْرَةِ الْمَالِ؛ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - رَأَيْت ذَا الْمَالِ مَهِيبًا وَرَأَيْت ذَا الْفَقْرِ مَهِينًا وَقَالَتْ: إنَّ أَحْسَابَ ذَوِي الدُّنْيَا الْمَالُ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ ذَلِكَ لَا يُعْتَبَرُ؛ لِأَنَّ كَثْرَةَ الْمَالِ فِي الْأَصْلِ مَذْمُومٌ «قَالَ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: هَلَكَ الْمُكْثِرُونَ إلَّا مَنْ قَالَ بِمَالِهِ: هَكَذَا وَهَكَذَا يَعْنِي تَصَدَّقَ بِهِ»

(وَالرَّابِعُ): الْكَفَاءَةُ فِي الْحِرَفِ، وَالْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ أَصْلًا، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ مُعْتَبَرٌ حَتَّى إنَّ الدَّبَّاغَ وَالْحَجَّامَ وَالْحَائِكَ وَالْكَنَّاسَ لَا يَكُونُ كُفُؤًا لِبِنْتِ الْبَزَّازِ وَالْعَطَّارِ، وَكَأَنَّهُ اعْتَبَرَ الْعَادَةَ فِي ذَلِكَ، وَوَرَدَ حَدِيثٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «النَّاسُ أَكْفَاءٌ إلَّا الْحَائِكَ وَالْحَجَّامَ» وَلَكِنَّ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَالَ: الْحَدِيثُ شَاذٌّ لَا يُؤْخَذُ بِهِ فِيمَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى، وَالْحِرْفَةُ لَيْسَتْ بِشَيْءٍ لَازِمٍ فَالْمَرْءُ تَارَةً يَحْتَرِفُ بِحِرْفَةٍ نَفِيسَةٍ، وَتَارَةً بِحِرْفَةٍ خَسِيسَةٍ بِخِلَافِ صِفَةِ النَّسَبِ؛ لِأَنَّهُ لَازِمٌ لَهُ، وَذُلُّ الْفَقْرِ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يُفَارِقُهُ

(وَالْخَامِسُ:) الْكَفَاءَةُ فِي الْحَسَبِ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ مُحَمَّدٍ قَالَ: هُوَ مُعْتَبَرٌ حَتَّى إنَّ الَّذِي يَسْكَرُ فَيَخْرُجُ فَيَسْتَهْزِئُ بِهِ الصِّبْيَانُ لَا يَكُونُ كُفْئًا لِامْرَأَةٍ صَالِحَةٍ مِنْ أَهْلِ الْبُيُوتَاتِ، وَكَذَلِكَ أَعْوَانُ الظَّلَمَةِ مَنْ يُسْتَخَفُّ بِهِ مِنْهُمْ لَا يَكُونُ كُفُؤًا لِامْرَأَةٍ صَالِحَةٍ مِنْ أَهْلِ الْبُيُوتَاتِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَهِيبًا يَعْظُمُ فِي النَّاسِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ قَالَ: الَّذِي يَشْرَبُ الْمُسْكِرَ فَإِنْ كَانَ يُسِرُّ ذَلِكَ فَلَا يَخْرُجُ سَكْرَانَ كَانَ كُفْئًا، وَإِنْ كَانَ يُعْلِنُ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ كُفْئًا لِامْرَأَةٍ صَالِحَةٍ مِنْ أَهْلِ الْبُيُوتَاتِ، وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، وَالصَّحِيحُ عِنْدَهُ أَنَّهُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِلَازِمٍ حَتَّى لَا يُمْكِنُ تَرْكُهُ

(قَالَ:) وَإِذَا زَوَّجَتْ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ فَلِلْأَوْلِيَاءِ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>