للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَلَالًا، وَإِنَّمَا تَنْبَنِي الْمَالِيَّةُ عَلَى التَّمَوُّلِ، وَهُمْ يَتَمَوَّلُونَ ذَلِكَ فَأَمَّا مِنْ ضَرُورَةِ حُرْمَةِ الْمَحَلِّ بُطْلَانُ النِّكَاحِ، وَقَدْ ثَبَتَتْ الْحُرْمَةُ فِي حَقِّهِمْ كَمَا بَيَّنَّا وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ: لَوْ تَزَوَّجَ مَجُوسِيَّةً صَحَّ بِالِاتِّفَاقِ، وَالْمَجُوسِيَّةُ مُحَرَّمَةُ النِّكَاحِ بِخِطَابِ الشَّرْعِ كَذَوَاتِ الْمَحَارِمِ.

، وَإِنَّمَا حَكَمْنَا بِجَوَازِهِ بَيْنَهُمْ؛ لِأَنَّ الْخِطَابَ فِي حَقِّهِمْ كَأَنَّهُ غَيْرُ نَازِلٍ فَإِنَّهُمْ يُكَذِّبُونَ الْمُبَلِّغَ، وَيَزْعُمُونَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ رَسُولًا، وَقَدْ انْقَطَعَتْ وِلَايَةُ الْإِلْزَامِ بِالسَّيْفِ أَوْ بِالْحَاجَةِ؛ لِمَكَانِ عَقْدِ الذِّمَّةِ فَصَارَ حُكْمُ الْخِطَابِ قَاصِرًا عَنْهُمْ، وَشُيُوعُ الْخِطَابِ إنَّمَا يُعْتَبَرُ فِي حَقِّ مَنْ يَعْتَقِدُ كَوْنَ الْمُبَلِّغِ رَسُولًا فَإِذَا اعْتَقَدُوا ذَلِكَ بِأَنْ أَسْلَمُوا ثَبَتَ حُكْمُ الْخِطَابِ فِي حَقِّهِمْ، فَأَمَّا قَبْلَ ذَلِكَ لَمَّا قَصَرَ الْخِطَابُ عَنْهُمْ بَقِيَ حُكْمُ الْمَنْسُوخِ فِي حَقِّهِمْ مَا لَمْ يَثْبُتْ النَّاسِخُ، كَمَا بَقِيَ حُكْمُ جَوَازِ الصَّلَاةِ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ فِي حَقِّ أَهْلِ قُبَاءَ لَمَّا لَمْ يَبْلُغْهُمْ الْخِطَابُ بِالتَّوَجُّهِ إلَى الْكَعْبَةِ، فَإِذَا ثَبَتَ حُكْمُ صِحَّةِ الْأَنْكِحَةِ بِهَذَا الطَّرِيقِ ثَبَتَ بِهِ مَا هُوَ مِنْ ضَرُورَةِ صِحَّةِ النِّكَاحِ كَالنَّفَقَةِ، وَبَقَاءِ الْإِحْصَانِ، وَأَمَّا الْمِيرَاثُ فَلَيْسَ اسْتِحْقَاقُ الْمِيرَاثِ مِنْ ضَرُورَةِ صِحَّةِ النِّكَاحِ فَقَدْ يَمْتَنِعُ التَّوَارُثُ بِأَسْبَابٍ كَالرِّقِّ، وَاخْتِلَافِ الدِّينِ مَعَ أَنَّ التَّوَارُثَ: إنَّمَا يُسْتَحَقُّ الْمِيرَاثُ عَلَى الْمُوَرِّثِ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَحُكْمُ اعْتِقَادِهِ بِخِلَافِ الشَّرْعِ سَقَطَ اعْتِبَارُهُ بِالْمَوْتِ؛ لِعِلْمِنَا أَنَّهُ قَدْ تُيُقِّنَ بِذَلِكَ، وَلِمَا أَشَارَ اللَّهُ تَعَالَى إلَيْهِ فِي قَوْلِهِ {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ} [النساء: ١٥٩] فَلَا يَكُونُ اعْتِقَادُ الْوَارِثِ مُعْتَبَرًا فِي الِاسْتِحْقَاقِ عَلَيْهِ، فَلِهَذَا لَا يَرِثُهُ بِخِلَافِ النَّفَقَةِ فِي حَالِ الْحَيَاةِ، وَبَقَاءِ الْإِحْصَانِ.

إذَا ثَبَتَتْ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ فَنَقُولُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ: إنْ رَفَعَ أَحَدُهُمَا الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي وَطَلَبَ حُكْمَ الْإِسْلَامِ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَهُمَا إذَا كَانَ الْآخَرُ يَأْبَى ذَلِكَ وَعِنْدَهُمَا يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ أَصْلَ النِّكَاحِ كَانَ بَاطِلًا، وَلَكِنَّ تَرْكَ التَّعَرُّضِ كَانَ لِلْوَفَاءِ بِعَقْدِ الذِّمَّةِ فَإِذَا رَفَعَ أَحَدُهُمَا الْأَمْرَ، وَانْقَادَ لِحُكْمِ الْإِسْلَامِ كَانَ هَذَا بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا، وَلَوْ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا فَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا فَكَانَ إسْلَامُ أَحَدِهِمَا كَإِسْلَامِهِمَا، فَكَذَلِكَ رَفْعُ أَحَدِهِمَا إلَيْهِ كَمُرَافَعَتِهِمَا، وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ: أَصْلُ النِّكَاحِ كَانَ صَحِيحًا فَرَفْعُ أَحَدِهِمَا إلَى الْقَاضِي، وَمُطَالَبَتُهُ بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ لَا يَكُونُ حُجَّةً عَلَى الْآخَرِ فِي إبْطَالِ الِاسْتِحْقَاقِ الثَّابِتِ لَهُ بِاعْتِقَادِهِ بَلْ اعْتِقَادُهُ يَكُونُ مُعَارِضًا لِاعْتِقَادِ الْآخَرِ فَبَقِيَ حُكْمُ الصِّحَّةِ عَلَى مَا كَانَ بِخِلَافِ مَا إذَا أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا فَإِنَّ الْإِسْلَامَ يَعْلُو، وَلَا يُعْلَى فَلَا يَكُونُ اعْتِقَادُ الْآخَرِ مُعَارِضًا لِإِسْلَامِ الْمُسْلِمِ مِنْهُمَا، وَبِخِلَافِ مَا إذَا رَفَعَا؛ لِأَنَّهُمَا انْقَادَا لِحُكْمِ الْإِسْلَامِ فَيَثْبُتُ حُكْمُ الْخِطَابِ فِي حَقِّهَا بِانْقِيَادِهِمَا لَهُ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ اللَّهُ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ: {فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ} [المائدة: ٤٢].

فَتَكُونُ مُرَافَعَتُهُمَا كَإِسْلَامِهِمَا، وَبَعْدَ

<<  <  ج: ص:  >  >>