تَزَوَّجَهَا بَعْدَ التَّطْلِيقَاتِ الثَّلَاثِ بِرِضَاهَا؛ فَلِأَنَّ هَذَا وَنِكَاحَ الْمَحَارِمِ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّ الثَّلَاثَ يُوجِبُ حُرْمَةَ الْمَحَلِّ بِخِطَابِ الشَّرْعِ كَالْمَحْرَمِيَّةِ، وَهُمْ لَا يَعْتَقِدُونَ ذَلِكَ، وَحُرْمَةُ الْمَحَلِّ بِهَذَا السَّبَبِ تَمْنَعُ بَقَاءَ النِّكَاحِ كَمَا تَمْنَعُ الِابْتِدَاءَ، فَكَانَ كَالْمَحْرَمِيَّةِ فِيمَا ذَكَرْنَا مِنْ التَّفْرِيعَاتِ
(قَالَ:) وَإِذَا تَزَوَّجَ الذِّمِّيُّ ذِمِّيَّةً عَلَى خَمْرٍ بِعَيْنِهَا أَوْ خِنْزِيرٍ بِعَيْنِهِ ثُمَّ أَسْلَمَا أَوْ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا فَلَيْسَ لَهَا غَيْرُ ذَلِكَ الْمُعَيَّنِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -.
فَإِنْ كَانَتْ الْخَمْرُ بِغَيْرِ عَيْنِهَا فَلَهَا قِيمَتُهَا، وَفِي الْخِنْزِيرِ بِغَيْرِ عَيْنِهِ فِي الْقِيَاسِ كَذَلِكَ، وَلَكِنَّهُ اسْتَحْسَنَ فَقَالَ: لَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا، وَفِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ: لَهَا الْقِيمَةُ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْآخَرِ: لَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَلَمْ يَذْكُرْ قَوْلَهُ الْأَوَّلَ، وَقِيلَ: هُوَ كَقَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، أَمَّا حُجَّتُهُمَا فِي الْعَيْنِ: أَنَّ الْإِسْلَامَ وَرَدَ وَالْحَرَامُ مَمْلُوكٌ بِالْعَقْدِ غَيْرُ مَقْبُوضٍ فَيَمْنَعُ الْإِسْلَامُ قَبْضَهُ كَمَا فِي الْخَمْرِ الْمُشْتَرَاةِ إذَا أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْقَبْضِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْقَبْضَ يُؤَكِّدُ الْمِلْكَ الثَّابِتَ بِالْعَقْدِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الصَّدَاقَ تَتَنَصَّفُ بِنَفْسِ الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ إذَا لَمْ يَكُنْ مَقْبُوضًا وَبَعْدَ الْقَبْضِ لَا يَعُودُ شَيْءٌ إلَى مِلْكِ الزَّوْجِ إلَّا بِقَضَاءٍ أَوْ رِضَاءٍ، وَكَذَلِكَ الزَّوَائِدُ تَنْتَصِفُ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَلَا تَنْتَصِفُ بَعْدَهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ مَرَّ يَوْمُ الْفِطْرِ، وَالصَّدَاقُ عَبْدٌ عِنْدَ الزَّوْجِ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ، لَا تَجِبُ صَدَقَةُ الْفِطْرِ عَلَيْهَا بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الْقَبْضِ.
إذَا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ: الْإِسْلَامُ كَمَا يَمْنَعُ تَمَلُّكَ الْخَمْرِ بِالْعَقْدِ ابْتِدَاءً يَمْنَعُ تَأَكُّدَ الْمِلْكِ فِيهَا بِالْقَبْضِ، وَبِهِ فَارَقَ الْخَمْرَ الْمَغْصُوبَةَ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي الِاسْتِرْدَادِ تَأَكُّدُ الْمِلْكِ إنَّمَا فِيهِ مُجَرَّدُ النَّقْلِ مِنْ يَدٍ إلَى يَدٍ وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ: الْإِسْلَامُ وَرَدَ، وَعَيْنُ الْمُسَمَّى مَمْلُوكٌ لَهَا مَضْمُونٌ بِنَفْسِهِ فِي يَدِ الزَّوْجِ فَلَا يَمْنَعُ الْإِسْلَامُ قَبْضَهُ كَالْخَمْرِ الْمَغْصُوبَةِ لَا يَمْنَعُ الْإِسْلَامُ اسْتِرْدَادَهَا، وَهَذَا لِأَنَّ مِلْكَهَا فِي الصَّدَاقِ يَتِمُّ بِنَفْسِ الْعَقْدِ حَتَّى تَمْلِكَ التَّصَرُّفَ فِيهِ كَيْفَ شَاءَتْ، وَمَعَ مَنْ شَاءَتْ بِبَدَلٍ، وَغَيْرِ بَدَلٍ فَلَيْسَ الْقَبْضُ هُنَا بِمُوجِبِ مِلْكِ التَّصَرُّفِ، وَلَا تَمَلُّكِ الْعَيْنِ بِخِلَافِ الْمَبِيعِ فَإِنَّ بِالْقَبْضِ هُنَاكَ يُسْتَفَادُ مِلْكُ التَّصَرُّفِ، وَالْإِسْلَامُ الْمَانِعُ مِنْهُ؛ وَلِأَنَّ ضَمَانَ الْمَبِيعِ فِي يَدِ الْبَائِعِ ضَمَانُ مِلْكٍ حَتَّى لَوْ هَلَكَ يَهْلِكُ عَلَى مِلْكِهِ فَكَانَ قَبْضُ الْمُشْتَرِي نَاقِلًا لِضَمَانِ الْمِلْكِ فَأَمَّا ضَمَانُ الْمُسَمَّى فِي يَدِ الزَّوْجِ فَلَيْسَ بِضَمَانِ مِلْكٍ حَتَّى لَوْ هَلَكَ عَلَى مِلْكِهَا، وَلِهَذَا وَجَبَ لَهَا الْقِيمَةُ فَلَا يَكُونُ الْإِسْلَامُ مَانِعًا مِنْ الْقَبْضِ النَّاقِلِ لِلضَّمَانِ، إذَا لَمْ يَكُنْ ضَمَانَ مِلْكٍ كَاسْتِرْدَادِ الْمَغْصُوبِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْمُسَمَّى بِغَيْرِ عَيْنِهِ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ هُنَاكَ مُوجِبٌ مِلْكَ الْعَيْنِ.
وَالْإِسْلَامُ يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ، وَإِذَا عَرَفْنَا هَذَا فَمُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ فِي الْفُصُولِ كُلِّهَا: تَعَذَّرَ بِالْإِسْلَامِ تَسْلِيمُ الْمُسَمَّى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute