النِّكَاحُ.
فَأَمَّا لَفْظُ الْبَيْعِ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَنْعَقِدُ بِهِ النِّكَاحُ وَإِلَيْهِ أَشَارَ فِي كِتَابِ الْحُدُودِ قَالَ: إذَا زَنَى بِامْرَأَةٍ ثُمَّ قَالَ: تَزَوَّجْتهَا أَوْ اشْتَرَيْتهَا، وَهَذَا لِلْفِقْهِ الَّذِي بَيَّنَّا أَنَّ الْبَيْعَ يُوجِبُ مِلْكًا هُوَ سَبَبٌ لِمِلْكِ الْمُتْعَةِ فِي مَحَلِّهِ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ الْأَعْمَشُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ: لَا يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ بِلَفْظِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ خَالِصٌ لِتَمْلِيكِ مَالٍ بِمَالٍ، وَالْمَمْلُوكُ بِالنِّكَاحِ لَيْسَ بِمَالٍ.
فَأَمَّا لَفْظَةُ الْإِجَارَةِ لَا يَنْعَقِدُ بِهَا النِّكَاحُ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُوجِبَةٍ مِلْكًا يُسْتَفَادُ بِهِ مِلْكُ الْمُتْعَةِ فَإِنَّهَا تُوجِبُ مِلْكَ الْمَنْفَعَةِ، وَبِمِلْكِ الْمَنْفَعَةِ لَا يُسْتَفَادُ مِلْكُ الْمُتْعَةِ، وَيُحْكَى عَنْ الْكَرْخِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: يَنْعَقِدُ بِهِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَوْفَى بِالنِّكَاحِ مَنْفَعَةٌ فِي الْحَقِيقَةِ، وَإِنْ جُعِلَ فِي حُكْمِ الْعَيْنِ، وَقَدْ سَمَّى اللَّهُ تَعَالَى الْعِوَضَ فِي النِّكَاحِ أَجْرًا بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [النساء: ٢٤]، وَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْإِجَارَةِ، وَلَكِنَّ هَذَا فَاسِدٌ، فَإِنَّ الْإِجَارَةَ شَرْعًا لَا تَنْعَقِدُ إلَّا مُؤَقَّتًا، وَالنِّكَاحُ لَا يَنْعَقِدُ إلَّا مُؤَبَّدًا فَبَيْنَهُمَا مُغَايَرَةٌ عَلَى سَبِيلِ الْمُنَافَاةِ.
فَأَمَّا لَفْظُ الْوَصِيَّةِ لَا يَنْعَقِدُ بِهِ النِّكَاحُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُوجِبُ الْمِلْكَ بِنَفْسِهِ بَلْ مُوجِبُهُ الْخِلَافَةُ مُضَافَةً إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَلَوْ صَرَّحَ بِلَفْظِ النِّكَاحِ مُضَافًا إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ لَا يَصِحُّ أَيْضًا فَإِنْ قِيلَ: الْهِبَةُ أَيْضًا لَا تُوجِبُ الْمِلْكَ مَا لَمْ يَنْضَمَّ إلَيْهِ الْقَبْضُ قُلْنَا الْهِبَةُ لَا تُوجِبُ إضَافَةَ الْمِلْكِ، وَلَكِنْ لِضَعْفٍ فِي السَّبَبِ لِتَعَرِّيهِ عَنْ الْعِوَضِ يَتَأَخَّرُ الْمِلْكُ إلَى أَنْ يَتَقَوَّى بِالْقَبْضِ، وَيَنْعَدِمَ ذَلِكَ الضَّعْفُ إذَا اُسْتُعْمِلَ فِي النِّكَاحِ؛ لِأَنَّ الْعِوَضَ يَجِبُ بِهِ بِنَفْسِهِ، وَلِهَذَا جَازَ اسْتِعْمَالُهُ فِي حَقِّ الصَّغِيرَةِ، وَالْكَبِيرَةِ فَلِهَذَا كَانَ مُوجِبًا مِلْكَ النِّكَاحِ بِنَفْسِهِ مَعَ أَنَّ الْمَمْلُوكَ بِالنِّكَاحِ بِنَفْسِ الْعَقْدِ يَصِيرُ كَالْمَقْبُوضِ، وَلِهَذَا لَوْ مَاتَتْ عَقِيبَ الْعَقْدِ تَعَذَّرَ الْبَدَلُ فَكَانَ هَذَا بِمَنْزِلَةِ هِبَةِ عَيْنٍ فِي يَدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ فَيُوجِبُ الْمِلْكَ بِنَفْسِهِ.
فَأَمَّا لَفْظُ الْإِحْلَالِ، وَالتَّمَتُّعِ لَا يُوجِبُ مِلْكًا أَصْلًا فَإِنَّ مَنْ أَحَلَّ لِغَيْرِهِ طَعَامًا أَوْ أَذِنَ لَهُ أَنْ يَتَمَتَّعَ بِهِ لَا يَمْلِكُهُ، وَإِنَّمَا يُتْلِفُهُ عَلَى مِلْكِ الْمُبِيحِ، فَكَذَلِكَ إذَا اُسْتُعْمِلَ هَذَا اللَّفْظُ فِي مَوْضِعِ النِّكَاحِ لَا يَثْبُتُ بِهِ الْمِلْكُ، وَأَمَّا الْإِعَارَةُ فَكَذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يُوجِبُ مِلْكًا يُسْتَفَادُ بِهِ مِلْكُ الْمُتْعَةِ، وَالْإِقْرَاضُ فِي مَعْنَى الْإِعَارَةِ مَعَ أَنَّ الْإِقْرَاضَ فِي مَحَلِّ مِلْكِ الْمُتْعَةِ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ مَحَلَّ مِلْكِ الْمُتْعَةِ الْآدَمِيُّ، وَالِاسْتِقْرَاضُ فِي الْحَيَوَانِ لَا يَجُوزُ فَلِهَذَا لَا يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ، بِخِلَافِ لَفْظَةِ الْهِبَةِ، وَالصَّدَقَةِ، وَلَكِنْ بِاعْتِبَارِ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ تَنْعَقِدُ الشُّبْهَةُ فَيَسْقُطُ بِهِ الْحَدُّ، وَيَجِبُ الْأَقَلُّ مِنْ الْمُسَمَّى، وَمِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ عِنْدَ الدُّخُولِ
(قَالَ:) وَلَوْ قَالَ: أَتَزَوَّجُك بِكَذَا فَقَالَتْ: قَدْ فَعَلْت فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهَا: قَدْ تَزَوَّجْتُك؛ لِأَنَّهَا أَخْرَجَتْ الْكَلَامَ مَخْرَجَ الْجَوَابِ لِخِطَابِهِ، فَيَصِيرُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْخِطَابِ كَالْمُعَادِ فِيهِ، وَلَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute