للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رب كوخ أركانه مائلات … وهو في سعره كدار سفاره

المئات المئات ماذا؟ أنرمي … الأهل من رأس شاهق أو مناره

أم ترانا نعود كالعرب الرحل … والناس هرولوا للحضاره

بين رسم عفى ونؤي تبدَّى … وبعير شمردل وحماره (١)

وقد وصف حسين سرحان حاله بعد أن قضى عامه الأول في الوظيفة في قصيدة عنوانها "تورطت" يقول فيها:

تورطت فيها بعد طول تمنِّع … وكنت مثال الحازم المترفع

مناصب يرقاها وضيع فيعتلي … بها ويلقاها جهول فيدِّعي

ويحسب أنَّ الناس من طوع أمره … بغلوة سهم أو بمقعد أصبع

وتصقله حتى يكون كيلمع … وتنفخه حتى يظل كلعلع

وتبرز فيه من خفايا غروره … أفانين من بعد الطوى والتسكوع

وبعد هذه الأبيات الذي يصف فيها ما تفعله الوظائف ببعض أربابها يقول عن نفسه:

وما أنا من طلابها أو هواتها … فإن تَلْحَينِّي فالْحَ القضاء اذن معي

دفعت إليها لم تكن لي حيلة … ولا رأيَ فاعذرني وإلا فقرِّع

عبودية شنعاء يمقتهما الفتى … ويفني بقلب عن هواها مشيع

ثم يصف ما كان حاله قبل الوظيفة فيقول:

وقد كنت عنها غانيًا بين مونق … من الكتب اصفيه الوداد ممتع

أحادث فيها الجاحظ الفذ تارة … وآونة اصغي إلى ابن المقفع

فكيف قبلتُ القيد ارسف تحته … بخيلا باحساسي سخيًا بادمعي

وكيف أرى حريتي بعد محبس … مقيت الجنى أبصر به ثم أسمع (٢)

وقد شبه حسين سرحان حاله في الوظيفة بالعيش بين الجن، بل أنه اعتبر أن العيش بين الجن على سوئه وفظاعته أحسن موقعًا من حاله أو عيشه في الوظيفة يقول:

قل للذي جعل الوظيفة همه … وسعى إليها سعى ضيغم غاب

العيش بين الجن آنس موقعا … من زحمة الكُتَّاب والحُسَّاب

هذا يجيئك باحثًا عن نمرةٍ … ويحوم ذاك على رتاج الباب

ويسومك الفرَّاش شرح رسالة … ويرومك الساقي لعرض كتاب

وتظل تحفر باليراع جداولا … ولوائحا سودا بغير حساب

متبرمًا مما يشق على النهى … متلويا من شدة الأكباب


(١) أجنحة بلا ريش ص ١٣١.
(٢) أجنحة بلا ريش ص ١٥٩/ ١٦٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>