كان العمل التجارى يعتمد بصورة تكاد أن تكون كلية على الاستيراد وكانت الهند هي المصدر الأعظم للاستيراد فلقد كانت الهند تصدر كل شئ إلى جدة سواء من الحبوب أو الأقمشة الشعبية أو الأحذية وأوانى الطعام وما إليها وكانت البواخر الشراعية خلال أواخر العهد العثمانى في أوائل القرن الرابع عشر الهجرى هي واسطة هذا الاستيراد وكان كثير من التجار يملكون هذه البواخر أو قسما منها، كان يشترك تاجران أو أكثر في ملكية باخرة واحدة وكان هناك ربابنة وطنيون للبواخر وما زال بعضهم يمارس هذا العمل مثل آل سلامة والرقبان وخلافهم، ولم تكن هناك بنوك تجارية لتحويل النقود بواسطتها وإنما كانت ترسل صرًّا في هذه البواخر الشراعية إلى البيوت التجارية في الهند وكان التجار يعمدون إلى تقسيم المبالغ المرسلة في عدة بواخر حتى إذا غرقت باخرة لم يفقد التاجر إلا جزءا من ماله المرسل إلى الهند وكانت هذه البواخر الشراعية تسافر في مواعيد معينة وتعود كذلك في مواعيد معينة متجنبة أوقات الفيضانات واضطراب البحر ولقد علمت أن هذه البواخر الشراعية كانت تجلب حاجة الحجاز من الأقوات والبضائع كما تجلب حاجة مصر منها وذلك قبل شق قناة السويس فكانت هذه البواخر الشراعية بمثابة مخازن عائمة تبقى في البحر وينزل منها إلى ميناء جدة ما تحتاجه البلاد ويبقى الباقى في هذه البواخر لتصديره إلى مصر التي كانت تستورد كثيرا من البضائع التي تحتاج إليها بواسطة التجار الحجازيين وعن طريق هذه البواخر التي تصدر هذه البضائع إلى ميناء السويس والقصير، وبعد شق قناة السويس انتهت حاجة مصر إلى الاستيراد عن طريق ميناء جدة، وأصبحت تستورد ما تحتاج إليه سواء من الغرب أو الشرق عن طريق قناة السويس.
أقول وقد أدركت البواخر الشراعية وهي تسير بين ميناء جدة وميناء الحديدة في اليمن، حيث تستورد الغلال من ميناء الحديدة أو جيزان كما كان استيراد