للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا أذكر أنه عاقب أحدا من الطلبة حتى ولا بكلمة قاسية، وكانت له كلمة لطيفة يرددها أثناء الدرس وكلما انتهى من الشرح فيقول متسائلا مفهوم يا مشايخ؟ فنجيب في أدب مفهوم يا مولانا.

وكان المعروف عن أستاذنا أنه كان يتولى القضاء ثم حدث ما صرفه عنه فعين أستاذا للصفوف العليا بالمدرسة، وكان يعلمنا الأصول والتفسير وأذكر أنه كان يدرس لنا تفسير القرآن للإمام النسفي وهو من أجل التفاسير للكتاب الكريم، كما أنه كان الأستاذ الوحيد في المدرسة الذي يتقن علم الجبر، وكان يلقى دروسه علينا فيه في تؤدة يحاول أن يشرح لنا معمياته، وهو على أي حال كان من الدروس الصعبة لا بالنسبة لي وإنما لكافة زملائى في الصف.

وكنا نشعر أن أستاذنا له شخصية مستقلة فلم نره يخلط نفسه ببقية أساتذة المدرسة وإنما كان يصل إلى المدرسة في مواعيد الحصة الأولى ويأخذ طريقه إلى الصف الذى يلقى فيه درسه، فإذا انتهى الدرس جلس وحيدا في غرفة الانتظار أو مع كبار معلمي المدرسة، وكنت تلمح دائما أمارات الاتزان في حركاته وحديثه، في غير اعتداد بالنفس أو تعال على الآخرين.

وكان الشيخ أحمد القارى يتقاضى مرتبا ضخما من مدرسة الفلاح في ذلك الزمان خمسة عشر جنيها ذهبا في كل شهر ولعل هذا كان أعلى مرتب تصرفه مدرسة الفلاح لكل أساتذتها بما فيهم نائب مدير المدرسة الذى كان يتقاضى عشرة جنيهات فحسب، وكان الشيخ أحمد يستحق ذلك دون شك فالرجل عالم متمكن من علمه وقد ولي القضاء في العهد الهاشمي كما وليه في العهد السعودى.

لكن ظروف المدرسة ما لبثت أن تغيرت، كانت المدرسة تتلقى مصروفاتها من مؤسسها الحاج محمد على زينل رضا الذى كان من أغنى الأغنياء وكان يتجر في اللآلي ثم ظهر اللؤلؤ الصناعي فانهارت تجارة اللؤلؤ الأصلي وتعرض مؤسس الفلاح لازمة اقتصادية عظيمة اضطر معها إلى التخلي عن الصرف على مدارس الفلاح كما أسلفنا بيان ذلك في الجزء الأول من أعلام الحجاز (١).


(١) انظر الحلقة الخاصة بالحاج محمد علي زينل رضا في كتابنا أعلام الحجاز صفحة ٢٧٨/ ٢٩٢ الجزء الأول.

<<  <  ج: ص:  >  >>