الإسعاف الخيرى بمكة المكرمة في شهر ذى الحجة عام ١٣٥٩ (١) وأستطيع أن أقول إني عايشت كتابة هذه المحاضرة أو على الأصح هذا البحث القيم، كما استمعت إليها مع الجمهور الذى حضر لاستماعها وكان حمزة يرحمه الله يشكو ألمًا في الحلق قبل إلقاء المحاضرة بيوم وقد عرض علي أن ألقيها نيابة عنه فاعتبرتها مزحة من مزحاته، وقد ألقاها واستغرق إلقاؤها أربع ساعات كما يقول الأستاذ عزيز ضياء مقدم الكتاب، وكان الشيخ محمد سرور رئيس جمعية الإسعاف يفضل لو أن حمزة جزأها وألقاها في عدة محاضرات بدلا من محاضرة واحدة لأن الوقت طال فعلا وهو يتكلم ولكن أحدا من الحاضرين لم يترك المكان أو الاستماع.
على أي حال إن القارئ لهذا الكتاب يشعر أنه أكثر من محاضرة تلقى في مكان عام يحضره جمهور متفاوت الثقافة والفهم والذوق، ولقد أحسنت تهامة بإصدار هذه المحاضرة في كتاب فهو للقراءة المتأملة المتأنية، وليس للإلقاء في حشد من الناس، ولو حاولت أن أصور المحاضرة أو ألخصها لما استطعت ولجاء هذا التصوير أو التلخيص في صورة مبتورة لا أرضى عنها ولا يرضى عنها أحد لهذا فإنني انصح القراء بقراءتها قراءة متأنيه والتأمل في معانيها في هدوء وأكتفى بأن أقتبس نتفا صغيرة منها وأنا أحذر القارئ سلفا وأعترف له بأنها لا تهدف إلى شيء أكثر من تشويقه إلى هذه القراءة وتحبيبه فيها فلنبدأ الاقتباس وأمرنا إلى الله - يقول الكتاب:
لا تكون النظرة إلى حقائق الحياة والفكر خالصة، إلا من أناس يرون أنفسهم فوق قيودها وقوالبها وهؤلاء يدعون بالمجانين تارة، وبالفلاسفة وقادة الفكر تارة، لأن حظ الصفات والمبادئ والنزعات يرتبط بحظ الداعين إليها والمتصفين بها من الإنجاح والفشل.
ويقول: ونحن نحلم بالقمم الشامخة، ولكنا نرجو أن نصحح مقياسا من
(١) انظر ما كتبناه عن المحاضرات في هذه الجمعية في كتابنا أعلام الحجاز في ترجمة السيد صالح شطا.