للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذلك أنهم جَهِلُوا أو غَفَلُوا عن حقيقة الزيادة والنقص، والوجود والعدم، وذلك أن الشيء لا يزيد بذاته ولا ينقص بها، وإنَّما يزيد بشيء؛ كان جوهرًا أو عَرَضًا، فإن وُجِدَ مِثْلُه أو مِثْلَيْه زاد، فإن عُدِمَ ذلك الوجود بعده نَقَصَ، فإن عُدِمَ أصلُه الأوَّل كان نَفْيًا مَحْضًا، فالعَدَمُ نَفْيُ الوجود الأوَّل، والنقص نَفْيُ الوجود الثاني الذي به كانت الزيادة، ولن يزال العبدُ أبدًا في زيادة المعرفة بنَفْسِه وبِرَبِّه وبدِينِه ما تراخى أجلُه، وإذا طرأ عليه غفلةٌ أو ذُهُولٌ أو شكٌّ في معلوم فانعدم ذلك الزائد على الأصل كان نقصًا حتى لو عُدِمَ الأوَّل الذي حَصَلَ له به الحكم، أو الثاني الذي جُعِلَ مثله في الفَرْضِيَّةِ والعصمة، كان في وُجُودِ الأول عَدَمًا حقيقةً وحُكْمًا، وحُكِمَ عليه بالكفر، وإن عُدِمَ الثاني كان كافرًا حُكْمًا، وهذا ممَّا كان لا ينبغي أن يخفى على أَحَدٍ من المحققين" (١).

[المبحث الثالث: الاستثناء في الإيمان]

وقد مَنَعَ القاضي أبو بكر من الاستثناء، وانتصر للجَزْمِ، مُبْدِيًا وجه قوله ومذهبه، قال : "ولم يُنْقَلْ في حديث عن النبي أنه شَرَطَ على أَحَدٍ في الإيمان الاستثناءَ، ولا تَطَوَّعَ به أَحَدٌ فأَقَرَّهُ عليه، بل نُقِلَ عنه ضدُّه؛ مِنْ أنه كان يُخْبِرُهم بالإيمان والإسلام وأركانه ووظائفه، فيُجِيبُون إليه، ويُسْلِمُونَ فيه، ويُقِرُّونَ به من غير استثناء، وقد قال - كما تقدَّم في الصحيح لرجل -: "قُلْ: آمنت بالله، ثم استقم"، ولم يَجْرِ للمشيئة ذِكْرٌ، فدَلَّ على أنه من التَّنَطُّعِ الفاسد" (٢).


(١) سراج المريدين: (٢/ ٦٧ - ٦٨).
(٢) سراج المريدين: (٢/ ٧٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>