للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال الإمام الحافظ (١) : فهذه أصول التَّمَنِّي، وعليه تتركَّب فُرُوعُه، وهي كثيرة؛ ولكن اللبيب يحمل على كل أُمٍّ منها بِنْتَها، ويَرُدُّ إلى كل أصل منها فَرْعَه.

بيانُ مسايرة التوكل مع الأسباب:

وإذ قد تبيَّن أن التوكل لا ينافي مباشرة الأسباب؛ إذا تَحَقَّقَ العبدُ أنه مدفوع إليها بنوع من المقدار، وأنها مُسَخَّرَةٌ له بحِكْمَةٍ من التقدير، وأنَّ مُياسرَتها ومباشرتها لا ينافي (٢) حقيقة التوكل ولا حقَّه، فإنها خمسة أنواع:

النَّوع الأوَّل: ألَّا يَتَكَلَّفَ عَمَلَ طعام ولا كَسْبَه، وإنما يثق بالفُتُوح، فقد بيَّنَّا فيما تقدَّم (٣) أن هذا يَعْسُرُ في هذه البلاد (٤)، وأنَّ (٥) أهلها على درجة عظيمة من دناءة الهمة، ووفور الخسة، وأمَّا تلك البلاد التي شاهدنا؛ فإن عُلِمَ ذلك من العبد تقاطرت عليه الأرزاقُ حتَّى لا يَعْلَمَ من أين يأخذُها.

النوع الثاني (٦): أن يخرج بغير زاد؛ إمَّا للسباحة، وإمَّا في الإرادة، وإمَّا لعبادة؛ من حج، أو صلة رَحِمٍ، أو صديق، أو عَدُوٍّ، ونحو ذلك، وقد قال الله: ﴿وَتَزَوَّدُوا﴾ [البقرة: ١٩٧]، وقد قدَّمنا الكلام عليه في اسم "الحاج" (٧)، وهو أَمْرٌ بالعموم للعموم والمصلحة (٨).


(١) في (ب): قال الإمام.
(٢) في (ك): تنافي.
(٣) في القسم الأول من الكتاب، مقام الحياة الدنيا.
(٤) أي: الأندلس.
(٥) سقطت من (ك) و (ص) و (ب).
(٦) ينظر: الأحياء: (ص ١٦٢٧).
(٧) في السفر الثاني.
(٨) في (ك): للمصلحة.