للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والذي ظهر إليَّ أنَّ شيخنا أبا بكر لم يكن له عزيمة على هذه القصة؛ فإن من أرادها لم يحتج فيها صاحبًا، إلَّا الذي يتبتَّل له، أو كانت له في ذلك نيَّة، ولكن بمحبته في العلم كان يريد صاحبًا يتعالم معه ويتذاكر، لما في ذلك من اللذَّة الشرعية.

فكُنَّا ارتبطنا أن يكون ذلك بعد أعوام؛ نُحَصِّلُ فيها نحن مُرَادَنا من العلم، فلمَّا كان بعد ثلاثة أعوام اجتمعت معه بالثغر، وقد زال عن تلك الطريقة؛ من لباس العباءة، والاقتصار على الطعام الجَشِبِ، والنوم على المضجع القضيض، وإهمال النظر في المعاش، إلَّا ما جاء على الفُتوحِ، ولَبِسَ الرقيق، وأَكَلَ المُلَوَّقَ (١)، ونام على الفراش الوثير.

فقلت له: ما هذا الذي تعاهدنا عليه!

فقال: ماطلبناه؛ ولكن لمَّا جاء من وجهه قَبِلْنَاهُ.

فبقي على الخُلطة في زهده وعبادته (٢) حتى افترقنا، وكذلك كان فيما بلغني؛ حتى مات على خير طريقة، والله يكتب له أمانه، ويُبَوِّئُه جِنانه، ويُلحقه رضوانه، بفضله ورحمته (٣).

تنويعُ المُتَبَتِّلِينَ:

والمتبتِّلُونَ على أنواع:

منهم من يتبتَّل للقرآن؛ فهو يتلوه آناء الليل والنهار.


(١) الملوق: الطعام المصلح الليِّن، تاج العروس: (٢٦/ ٣٦٥).
(٢) في (ص): في زهد وعبادة.
(٣) بعده في (ص): "إنه منعم كريم، رؤوف رحيم"، ولعلها مقحمة.