للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

نعم، والصنف العاقل يتفاوتون في المعرفة؛ فيدرك صنفٌ معرفة ما لا يدرك الآخر منها حرفًا، فإن الله خلق هذه الدار الدنيا دار قصور وتفصير، أو لا ترى أن الله يختص برحمته من يشاء؟ ويُقَدِّمُ بعض الخلق على بعض، فمكن الأنبياء من إدراك الآخرة بجميع ما فيها من دار الدنيا، بما ألقى فيهم من المعرفة، ووهبهم من العلم، وآتاهم من القوَّة، وأدام لهم من العصمة، واصطفاهم به من الكرامة، ورفعهم إليه من المنزلة؛ على تباينهم في مقاماتها، وتفاوتهم في درجاتها.

ومن الناس من تضيقُ حَوْصَلَتُه عن فَهْمِ هذه الحقائق، ويَقْصُرُ عن دَرْكِ معارفها، ويخفى عليه ألَّا أُخِذَ علينا (١) فيها (٢) الإيمانُ والتصديقُ بكل مُمْكِنٍ يُخْبِرُ عنه الصَّادق الناقل إلينا عن الحقِّ الحقَّ.

مُفَاوَضَةٌ: [في عذاب القبر]

قال لي بعضُ القدرية في مجلس النظر يومًا - وقد أنكر عذاب القبر -: الدليلُ على بطلان مذهبكم فيه أنَّا نرى الميت يُوضع في القبر ويُنثر عليه حَبُّ السِّمْسِم مُرَتَّبًا محصورًا، ويُربط عليه الكفن ضَغْطًا، ويُعَلَّمُ تعليمًا، ثم يؤتى إليه من بعد المغيب عنه فيوجد على هيئته، ولو كان يُقام ويُقعد ويُضرب، ويَضطرب ويُصعق (٣) ويَزعق، ما ثبتت تلك الهيئة على حالها، وكذلك المصلوب؛ يبقى على هيئته الدهور، ولا تختلف عليه الهيئات، ولا يُضغط لأنه في الهواء.


(١) في (د): عليه.
(٢) سقط من (س).
(٣) في (ز): يصعد، وهو تصحيف.