للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عِرْسِه ووَلَدِه (١)، فيكون ما هنا مؤكدًا لما سبق ذِكْرُه، وكأنَّ هذا الفَقْدَ كان مُتَّصِلًا بمِحْنَتِه التي لحقته بإشبيلية؛ أيَّام ثورة السِّفْلَةِ عليه، وإنَّما قلنا ذلك لأن المرء إنما يحتاج أهله وولده أيَّام محنته وابتلائه، ولم يُبْتَلَ القاضي أبو بكر ببَلِيَّةٍ أعظم من ثورة السُّوقَةِ عليه، وقيامهم لأَذِيَّتِه، على مرأًى من مشيخة إشبيلية وكبرائها، وأهل الحل والعقد فيها، وهذا الذي قلناه قد يجوز غيره، غير أنَّنا نُقَلِّبُ وجوه النظر لنستخرج ما يمكن وما يَصِحُّ ذِكْرُه، والله أعلم.

حَجَّةُ ابن العربي:

قال ابنُ العربي لوالده: "إن كانت لك نية في الحج فامض لعزمك؛ فإني لست برائم عن هذه البلدة، حتى أعلم عِلْمَ من فيها، وأجعل ذلك دستورًا للعلم وسُلَّمًا لمراقيها، فساعدني حين رأى جِدِّي، وكانت صحبته لي من أعز أسباب جَدِّي، ونظرنا في الإقامة بها، وخَزَلْنَا أنفسنا عن صُحْبَةٍ كنا نظمنا بهم في المشي إلى الحجاز، إذ كانوا في غاية الانحفاز" (٢).

وهو بهذا يُظْهِرُ تشوف الوزير أبي محمد إلى الحج، فهي كانت رغبته، ولكن هذا الحج لم يكن سالمًا من الأهوال، قال ابن العربي: "خَرَجْتُ من الكُوفَةِ إلى مَكَّةَ سنة تِسْعِ وثَمَانِينَ، راكبًا مُعَادِلًا لأبي -رحمة الله عليه-، حتى بلغنا مكة فقضينا حجَّنا، ثم عُدْنَا إليها، فلمَّا كُنَّا ببَطْنِ نَخْلَة ضَرَبَنَا بَرَدٌ عَظيِمُ الجِرْمِ، قتَلَ كثيرًا من الإبل والناس، وحَمَلَ وادي نخلة علينا، وكنَّا فيمن بَكَّرَ فعَبَرَ، فمن صادفه السَّيْلُ فيه حَمَلَهُ إلى البحر


(١) سراج المريدين: (٢/ ١٠٢).
(٢) قانون التأويل: (ص ٩٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>