للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كل كلام، كأنها تُشِيرُ إلى أنها مشغولة معه، ليس لأحد فيها حظٌّ، ولا لها للخوض مع أحد في أمرٍ زمانٌ.

قال الإمام الحافظ (١): والذي عندي أن أبا بكر وعمر والعشرة والصحابة وكثيرًا (٢) من التابعين وعلماء المسلمين كانوا بهذه الصفة وإن خالطوا الناس؛ فإن العبد إذا كان كلامُه مع الناس لله وفِعْلُه كذلك فهو مُفْرِدٌ، حتى لو تكلَّم في الدنيا لتكلَّم لله، أو اعتمل فيها لاعتمل لله؛ بأن لا يخرج في جميع أقواله وأعماله عن طريق الشرع، فهو من المُفْرِدِينَ، ولكنه أمر يتعذَّر مع المخالطة إلَّا على الصدر الأوَّل؛ الذين كانوا لا يَلْقَوْنَ إلَّا أمثالهم، أو ما يقرب (٣) منهم، أو من يفعل مثل فِعْلِهم، فكانوا يتعاونون على الحق، ولا ترى بينهم (٤) باطلًا، فلمَّا غلب الباطلُ على الخلق (٥) وتعاملوا بغير الصدق لم يتفق (٦) لأحد أن يكون مُفْرِدًا إلَّا بأن يعتزل عنهم، ﴿وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ﴾ [الجاثية: ١٩].

[من المُفْرِدِينَ مريمُ ]:

وممَّن كان من المُفْرِدِينَ القانتين مَريمُ، قال الله سبحانه: ﴿يَامَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ (٤٣)[آل عمران: ٤٣]، فأَمَرَها بالقنوت والسجود والركوع، واختلف الناس في هذه الآية اختلافًا كثيرًا؛


(١) في (ك): قال الإمام الحافظ ، و (ص): قال الإمام الحافظ أبو بكر محمد بن عبد الله بن العربي ، وفي (ب): قال الإمام .
(٢) في (ك): كثير.
(٣) في (د): أو بالقرب.
(٤) في (ك) و (ص) و (ب): لهم.
(٥) في (ك) و (ص): الحق.
(٦) في (ك) و (ص) و (ب): يبق.