للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأمَّا من قال: إنه الخاشع، فقد قَرُبَ أكثر من غيره من معناه، فإن الخشوع لَزِيمُ الحزن، أو من ثمراته.

[حُزْنُ إبراهيم ]:

وكيف لا يكون إبراهيمُ حزينًا ولم يكن في الأرض مؤمن غيره، وغير زوجه سارة، وهو خليل الرحمن، والدنيا طافحة بالكفَّار، ليس فيها من يقول: الله، ولا من يعرفه، وفي آخر الأمر آمَنَ له (١) لوط وحده، وبعثه الله رسولًا معه، عَضُدًا لإبراهيم وقوَّة له، كما عَضَدَ موسى بهارون أخيه، والأصنام تُعبد، والرب يُجحد، والدين يُعَاثُ (٢) فيه ويلحد، والحق يُلوى، والعيش ينكد، وليس في الأرض عن ذلك ملتحد، أينما خرج مهاجرًا لقي فاجرًا؛ إمَّا يعترضه في أهله، أو يعارضه في ربه، وهو على ذلك صابر مُتَحَزِّنٌ مُتَأَوِّهٌ، وليس أحد من الأنبياء إلَّا كذلك، ولكن الفضل للمتقدم، إمَّا في السَّابقة كإبراهيم، وإمَّا في الصفة كمُحَمَّدٍ، فإنه كاد ينتهي من حُزْنِه أنه يَوَدُّ قَتْلَ نفسِه أَسَفًا على كفرهم.

[أسبابُ الحُزْنِ]:

والحُزْن إمَّا (٣) أن يكون على عدم الحق، وإمَّا أن يكون على جهل المرء بخاتمته، فلا يُرى مسرورًا؛ إلَّا بحق يظهر، أو خاتمة (٤) تُعلَم، وقد جُهِلت الخاتمة حديثًا وقديمًا، فوجب أن يكون الحزنُ لَزِيمًا، وقد تُرِكَ الحق فلا ينبغي لأحد أن يُرَى (٥) مسرورًا.


(١) سقط من (ك) و (ص) و (ب).
(٢) صورتها في (ك): يعاف، كذلك قرأتها.
(٣) في (ك): إنما يكون.
(٤) في (ك) و (ص): حالة.
(٥) في (ك) و (ص) و (ب): تراه.