قال الغماري:"قال فيه أيضًا: كنتُ بمكَّة في ذي الحجة سنة تسع وثمانين وأربعمائة، فكنت أَبِيتُ بين المقام وزمزم وأعتكفُ فيه، وأَتَذَكَّرُ قَوْلَ النبي ﷺ: "ماءُ زمزم لِمَا شُرِبَ له"، فكنتُ أَشْرَبُه بنِيَّةِ العِلْم آناء الليل والنهار، فوَهَبَنِي الله ما شاء، ولم أشربه بنيَّة العمل، ودعوتُ الله بالملتزم ثلاث دعوات، فَرَأَيْتُ الاثنتين وبَقِيَتِ الواحدة، والله يَمُنُّ بها عليَّ، فهي العُمْدَةُ.
فكانت الأولى: أن يجعلني من العلماء، حتى لا يتكلم أَحَدٌ بشيء مِنْ فَنٍّ مِنَ العِلْمِ؛ إن كان حقًّا إلَّا عَلِمْتُه، وإن كان باطلًا إلَّا قَدَرْتُ عليه؛ إثباتًا للأوَّل، ونَفْيًا للثاني، فآتاني الله ذلك.
وآتاني الثانية، وبقيت الثالثة.
فيا ليتني كنتُ شَرِبْتُ ماء زمزم للعَمَلِ، ودعوت الله فيه في المُلْتَزَمِ.
قلت: يا ليتك دعوت الله أن يرزقك حب آل البيت النبوي؛ الذين حبهم إيمان، وبغضهم نفاق، ويقلع من صدرك بغضهم، ويسل منه السخيمة عليهم؛ فإن ذلك كله مع العلم يكفيك إذا أردت بعلمك وجه الله تعالى، ولم تطلب به الدنيا والجاه عند الملوك والحكام، ولكنك لم تفعل؛ لأن الله تعالى لم يُرِدْ بك خيرًا" (١).