للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولا تعجبُوا- معشر المريدين- من دُعاء ذي النون في بطن الحوت مُضْطَرًّا، فإنه قد كان على درجة عظيمة من الاختيار؛ بأن أَبْقَى معه عقله وجنانه (١)، ودفع عنه الشيطان (٢)، فتمكَّن من التضرع إليه كما كان يَتَمَكَّنُ في البَرِّ في منزله.

[أوَّلُ المُضْطَرِّينَ]:

وأوَّلُ من دعا من المضطرين بعد ما قاسى البلاء المُبِين والكَرْبَ العظيم نُوحٌ ، قال: ﴿رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا﴾ [نوح: ٢٦ - ٢٧]، فاستجاب الله له، ويقول يوم القيامة: "لستُ لها- يعني: الشفاعة-؛ إني دَعَوْتُ على قَوْمِي" (٣).

وقال بعضُ الناس: "إنه لم يَدْعُ عليهم حتى قال الله له: ﴿أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ﴾ [هود: ٣٦] " (٤).

ولو كان (٥) هذا هكذا لم يكن في الدعاء ما يُوقِفُه عن التقدم في الشفاعة؛ فإنه كان يكون واضعًا للدعوة مَوْضِعَها.

ودعا مُوسَى وهارون صلى لله عليهما (٦) فقالا: ﴿رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ﴾ [يونس: ٨٨].


(١) في (د) و (ص): حياته.
(٢) سقط من (د) و (ص).
(٣) تقدَّم تخريجه في السفر الأوَّل.
(٤) لطائف الإشارات: (٢/ ١٣٥).
(٥) في (س): ولم يكن.
(٦) في (س) و (ف): .