للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفي الحديث الصحيح: أن النبي قال: قال الله تعالى: "عبادي؛ لو أن أوَّلكم وآخركم، وإنسكم وجنكم، اجتمعوا على أتقى قلب رجل ما زاد ذلك في مُلكي، عبادي؛ لو أن أوَّلكم وآخركم، وإنسكم وجنكم، اجتمعوا على أفجر قلب رجل ما نقص ذلك من مُلْكِي" (١).

[حقيقة الشكر]

ولا نُطَوِّلُ عليكم في بيان معنى الشكر؛ فإنه أقربُ شيء في العلم، وهو تصريف النعمة في الطاعة، فإذا أَنْعَمَ الباري على العبد نِعْمَةً فصرفها في طاعته فقد شَكَرَها، وإن صرفها في معاصيه فقد كَفَرَها.

وليس الشُّكْرُ بمجرد (٢) القول باللسان، بل إنه منه وعُنوانه، وعلامته ودليلٌ عليه، وقد كان النبيُّ يدأب في العبادة، ويواظب على الطاعة، وينبذ الدنيا زهادةً، حتى ضعف بدنه، وحَطَمَهُ السِّنُّ (٣)، وتفطَّرت قدماه، فقيل له: "تفعل هذا وقد غفر الله لك ما تقدَّم من ذنبك وما تأخر! فقال: أفلا أكون عبدًا شكورًا" (٤).

معناه: أَصْرِفُ نِعَمَ رَبِّي في طاعته (٥).

وقد أثنى الله على نُوحٍ بقوله: ﴿إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا﴾ [الإسراء: ٣]؛ فإنه لَبِثَ في قومه ألف لسنة إلا خمسين عامًا يُضْرَبُ، حتَّى يُتْرَكَ باسم


(١) تقدَّم تخريجه.
(٢) في (ك) و (ص) و (ب): مجرد.
(٣) في (ك): الناس، البأس، ورمز لهما بـ: معًا، وفي (ص): البأس، وفي (ب): الناس.
(٤) تقدَّم تخريجه.
(٥) في (ك): طاعاته.