للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المَيِّتِ، فلا يَرْدَعُه ذلك عن القيام بأمر ربه، وتبليغ رسالاته، وما شكا ذلك قط، ولا تَضَجَّرَ (١) منه، وبهذا كان الصَّبْر أخَا الشكر، فلمَّا قيل له: ﴿أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ﴾ [هود: ٣٦]؛ حينئذ دعَا عليهم، واعتدَّ بعد ذلك دعوته تقصيرًا لعظيم (٢) عبادته، حتى اعتذر بها عن سؤال الشفاعة، فيقول للخلق يوم القيامة: "إني دعوتُ على قومي" (٣)، إشارة إلى أنه فاته إذ أعلمه الله ﴿أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ﴾؛ أن يَكِلَهُم إلى الله حتى يَنْفُذَ فيهم حُكْمُه، ويبقى هو مُلَازِمَ رَسْمِه.

وقد قال قَوْمٌ في حقيقة الشكور: "إنه الذي يشكر على الشكر" (٤).

ولأجل هذا قال قوم: "إنه لا يطاق".

وأنشدوا فيه لمحمود الورَّاق:

إذا كان شُكْرِي نِعْمَةَ الله نِعْمَةً … عليَّ له في مثلها يجبُ الشُّكْرُ

فكيف أؤدي حقَّ ما هو مُنْعَمٌ (٥) … وإن طالت الأيام واتَّصل العُمْرُ (٦)

وذَكَرَ الأبيات، وبهذا بَطَلَ مَذْهَبُ القدرية في قولهم: "إن شكر المنعم واجب بالعقل"، فإنَّ العقل يُعْطِي أنه لا آخِرَ للشكر، وبالشَّرْعِ عرفنا أن الفرض يسقط بالقَدْرِ المستطاع، والقول المُرَاعَى المُرَاعِي.


(١) في (ك): يضجر.
(٢) فوقها في (د) كلمة لم أتبينها، ولم يصححها الناسخ.
(٣) تقدَّم تخريجه.
(٤) لطائف الإشارات: (٢/ ٣٣٥).
(٥) في (د) و (ب): مُنعِم.
(٦) من الطويل، وهي لمحمود الوراق في أحسن ما سمعت للثعالبي: (ص ٧)، وزهر الآداب: (١/ ١٣٨)، وفيها: فكيف بلوغ الشكر إلا بفضله.