للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

في لحظة واحدة، فالتَّعْدَادُ لها والنُّدُورُ فيها يُنْبِئُ أنه ليس بمقابلة لمكتوب، وإنما هو بما يخلق الله له من العلوم، ويُنْشِئُهَا إنشاءً في القلوب، وتُسْمَعُ (١) من الأصوات، فهذا عمر قد قال: "يا سارية الجبل، من استرعى الذئب ظَلَمَ" (٢)، وسارية بالعراق، فسَمعَ صوته من المدينة في أثناء الحرب، والكَرةُ على المسلمين، فلجأوا إلى الجبل بصوته على مسيرة ثلاثين مرحلة، واعتصموا من العدو فيه، والأخبار في ذلك كثيرة.

[الكلامُ على الخاطر]:

ولقد أخبرنا (٣) شيخنا أبو الحُسَين بن الطُّيُوري كما تقدَّم، قال: "كنتُ أختلف من داري بدرب المروزي بقطيعة الكَرْخ إلى الحربية؛ لأسمع على الشيخ الزاهد أبي الحسن علي بن عمر الحَرْبِي كتاب "غريب الحديث" لابن قُتَيبة، صلاة الظهر كل يوم، فخرجت مع صاحبي عند انتصاف النهار، فمشينا في خَرِبِ مدينة المنصور نقطع إلى الحربية، فقال لي صاحبي أو قلت له: شيخنا أبو الحسن لا يُخرج يديه عن كُمَّيه بحال (٤)، إنما يُنَاوِلُ بها مستورة، حتى إذا أعطانا أجزاء الحديث أو أخذها منَّا، فقلنا: لعلَّ به بَرَصًا يكتمه، وسِرْنَا في سبيلنا حتى أتينا إلى الحربية، فدخلنا المسجد مع الأذان، ولقينا الشيخ حين خرج وصلَّى، ثم استند إلى القبلة وأقبل علينا، وناولنا الأجزاء الذي كنَّا نقرأه بيديه (٥) مكشوفتين عن كُمَّيه،


(١) في (ك) و (ب): يسمع.
(٢) تاريخ دمشق: (٢٠/ ٢٤)، وحسَّن إسنادها ابن حجر في الإصابة: (٣/ ٩٨)، وينظر: العواصم: (ص ٣٦).
(٣) في (ك) و (ص): أخبرني.
(٤) سقط من (ك) و (ص) و (ب).
(٥) في (ك): بيده.