للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَقَدَ العزم على هذه الرحلة وهو بعد طري العود، مُنْزَوٍ في رقود، فقال: "ونَذَرْتُ في نفسي طَيَّةً، لئن ملكتُ أمري لأهاجرن إلى هذه المقامات، ولأفدن على أولاء الرجالات، ولأتمرسنَّ بما لديهم من المعاقد والمقالات، واستمررتُ عليها نيَّة، واكتتمتُها عَزِيمَةً غير مثنويَّة" (١).

الموازنةُ بين فضائل أهل المشرق وأهل الأندلس:

قال ابنُ العربي: "البلاد تختلف، وأحوالُ الناس تتباين، فأمَّا بلادنا فإن البخل والقسوة استوليَا على القلوب، فلا يفتقدون المحتاجين، ولا يعطفون بالصدقة على المُتَجَردِينَ للعلم والمُتَعَبِّدِينَ، فالتَّعَرُّضُ لذلك مَهْلَكَة، ولا يجوز الإلقاء باليد إلى التَّهْلُكَة.

وأمَّا تلك البلاد التي كنَّا بها، من مصر إلى منتهى المعمور؛ شرقًا وغربًا، شمالًا وجنوبًا، ما بين ما رأينا وما سمعنا؛ فإن الحنان والجود غلب عليهم، فإذا رَأَتْ من يُقْبِلُ على الله أقبلوا عليه" (٢).

وهو بهذا يذكر من خصال تلك البلاد ما لا يوجد ببلاد الأندلس، ولا يقف عند هذا الحد، بل يستطرد إلى ذِكْرِ ما جرى له من الخير والعون من قبل أولئك الناس، فهم الناس، وبلادهم هي البلاد.

قال ابنُ العربي: "لقد كنا نخرج من المسجد الأقصى مع شيخنا أبي بكر الفِهْرِي في جملة الأصحاب على الفُتُوحِ، أقل ما نكون خمسة، وأكثره خمسون، فندور على قبور الأنبياء، ونجول في قُرَى الشام المجاورة المدة


(١) قانون التأويل: (ص ٧٧).
(٢) سراج المريدين: (١/ ٨٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>