للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأمَّا الجبالُ؛ فإمَّا يُعْدِمُها الله لأنه خلقها أَوْتَادًا لها، فيُعدمها ويُمسكها الذي كان يُمسكها (١) ولأوتادها؛ لأنَّ لله فيها قُدْرَةً ضلَّ عنها أهل الفلسفة، ولم يُوَفقْ لها أهل الإلحاد والعَطَلَةِ، وغفل عنها علماء المِلَّةِ، وهي:

[نكتة بديعة]

وهي أن الله رفع السماوات بغير عمد، فإن كانت السماء فَلَكًا -كما قال الذين لا يعلمون- فليس لهذا القول حقيقة، ولا إشكال في أنها غيرُها، كما بيَّنَّاه في "كتب (٢) الأصول".

وأمَّا الأرض فهي على الماء، وقد دحاها الله وأرساها بالجبال، والعِلَّةُ التي تُوجِبُ اضطرابها من أسفل، فكيف تُوَتَّدُ من فوق ولا رباط بين الوَتَدِ وبين سبب الاضطراب، وما كان على وجه الماء يضطرب باضطرابه لا يُرْسَى بثِقَلٍ من فوقه، وإنما يُوَتَّدُ بما تحت الماء، فجعل الله الجبال أوتادًا، تسميةً منه خَلَقَ عندها السكون؛ ليعلم العُقلاء أن الأسباب لا تُوجِبُ بنفسها (٣)، وإنَّما هي علامات على فِعْلِ الله (٤) الذي ينفرد بخَلْقِه دون أَحَدِ سواه.

وأمَّا بسطُها على وجه الأرض بَسْطًا؛ والأوَّل أظهر، لقوله تعالى: ﴿فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا﴾ [الواقعة: ٦]، تُسَيَّرُ بعد السكون، وتُلَيَّنُ بعد الجمود


(١) في (د): يمسك لها.
(٢) في (د): كتاب.
(٣) في (د) و (س): لنفسها.
(٤) في (س): فعله.