للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[صِلة المحبة بالمعرفة]:

ومع أنَّ المحبة تنقسم على هذه الوجوه، فإنَّها تقوى وتضعف بحسب قوة المعرفة وضعفها، ألا ترى كيف كانت معرفة عمر على درجة لا يُحِبُّ النبيَّ فيها أكثر من نفسه، ثم عرَّفه بالواجب، فلمَّا انتهى إليه انتهت قوة المعرفة، وكانت معرفة أبي بكر بالله أكثر منه، وقد تبيَّن ذلك في أفعالهما؛ فإنَّ أبا بكر جاء بماله كله إلى النبي فقَبِلَهُ منه (١)، وترك أبو بكر نَفْسَه وأهلَه تحت حُكْمِ الله ورِزْقِه، وجاء عمر بنصف ماله وقال: "تركت لأهلي نصفه الآخَر" (٢)، وجاء كعب وأبو لبابة بجميع مَالَيْهما فلم يُقْبَلْ منهما (٣)؛ لأنهما جَاءَا به في حال خوف، وتحت تَقِيَّةٍ من ذنب، وجاء أبو بكر وعمر مُتَبَرِّعَيْنِ ابتداءً مع صلاح الحال مع الله والإقبال عليهما، فعلم النبيُّ من أبي لبابة وكعب أنهما إذا عَدِمَا أموالهما لم تكن قلوبهما من الصُّفاء والصبر، والثقة بالموعود والسكون إلى الضمَانِ؛ كما كانت بوجود المال، فأخذ الثُّلُثَ تطهيرًا لهما، وأبقى الثُّلُثَيْنِ بأيديهما تَثْبِيتًا لهما.

[درجاتُ المعرفة]:

وإذا ثبت هذا فدرجاتُ المعرفة بالله لا حَصْرَ لها، فقد بلغ النبيُّ من المعرفة ما بلغ، ومع ذلك قيل له: ﴿وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾ [طه: ١١٤]، ولهذا كان الخَلْقُ بعده في درجة القصور في المعرفة، وقُصُورُهم بوجهين من حالين:


(١) تقدَّم تخريجه.
(٢) تقدَّم تخريجه.
(٣) تقدَّم تخريجه.