للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الحدود، وفَسَادِ الخلق في الأرض، ما حَمَلَهُ على إرادة إظهار الحق، وأنه يعلم ما لا يعلم أَحَدٌ من الخلق، ولكن بَعْدَ تَعَرُّض المَلِكِ له بقَوْله: ﴿أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي﴾ [يوسف: ٥٤]، ففي ذلك إِسْوَةٌ لمن قَدَرَ -من نفسه- على القيام بالحق؛ أن يَقْبَلَه إذا جُعِلَ إليه (١).

[أَسْبَابُ قَبُولِ ابنِ العربي القضاء]:

ولقد اقتديتُ إِسْوَةً بذلك؛ مع أنِّي من أكثر الخَلْقِ ذُنُوبًا وعُيُوبًا، وأقلهم منزلة له (٢)، فإنِّي لمَّا دُعِيتُ إلى ولاية القضاء قَبِلْتُه مختارًا لثلاثة أوجه:

أحدها: سِرٌّ بيني وبين الله سبحانه.

والثاني: معاينتي للباطل قد دَفَّرَ (٣) الأرضَ، فأردتُ أن أُذَفِّرَهَا (٤)، تَمَكَّنْتُ فيها منها، وعَمِلْتُ ما يَعْلَمه الله تعالى، ولا أَطْلُبُ مَثُوبَةً من سواه؛ مِنْ كَفِّ الظُّلْمِ والاعتداء، وبَثِّ الأَمْنِ، وحِفْظِ الأموال، وكَفِّ الأطماع، والأَمْرِ بالمعروف، والنَّهْيِ عن المنكر، وفَكِّ الأسير، والتَّحْصِينِ على الخَلْقِ بالسُّور (٥)، والمساواة في الحق بين الصغير والكبير، حتى أَرِجَتْ أقطاري، ووَقَعَ السَّمَرُ بأخباري، فضَجَّ العُداة، وضَجِرَ الوُلاة، حين صَفِرَ وِطَابُهم من الحرام، وابيضَّت صحائفهم من الآثام، فدَسُّوا إلى نَفَرٍ من


(١) سراج الملوك: (١/ ١٨١).
(٢) في طرة بـ (س): في خـ: وأقل منزلة به، وكذلك هي في (ص).
(٣) نجَّسها.
(٤) أي: طيَّبها وأذهب نجاستها، ومنه قولهم: المسك الأذفر، أي: الأطيب.
(٥) في (د): الصور، وهو تصحيف.