للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مشاركًا، وقد تقدَّمت روايتنا للحديث: "كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل" (١)، وفي الحديث: "طوبى للغرباء" (٢)، وقال صلى الله عليه (٣): "بدأ الإسلام غريبًا، وسيعود غريبًا كما بدأ" (٤).

[حقيقةُ الغريب]:

وهو اسم عزيز، وأصله في العربية: البعيد؛ فإنه بَعُدَ عن الأهل والولد، وربما المال، وفَقْدُ النظير في الغُرْبَةِ أعظمُ من فَقْدِ هذه الثلاث المتقدم ذِكْرُها؛ فإن الرجل إذا كان في غير أقرانه كان ذلك سبب هوانه.

وقد سمعتم حَالَ من تأخَّر موته من الصحابة وقد ذهب أقرانهم كيف كانت حالهم، كسهل بن سعد السَّاعدي، وأنس بن مالك، ومن عُمِّرَ طويلًا؛ فإن أراد الحق لم يجد له عاملًا، وإن طلب العلم لم يُلْفِ به عارفًا، وإن تعرَّض للطاعة أو عرَّض بها لم يُبصِرْ فيها راغبًا.

قال علماؤنا : المعنى في قوله: "بدأ الإسلامُ غريبًا، وسيعود غريبًا" (٥): أنه بدأ في واحد؛ وهو المصطفى، ولما يزل يُنْمَى حتى أكمله الله، فلمَّا استأثر الله برسوله وأخذ في النقصان لا بد له أن يرجع إلى واحد، ثم إلى العدم، وقد أنذر به الصادق في قوله: "لن تقوم السَّاعة حتى


(١) تقدَّم تخريجه.
(٢) أخرجه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة : كتاب الإيمان، باب بيان أن الإسلام بدأ غريبًا وسيعود غريبًا، رقم: (١٤٥ - عبد الباقي).
(٣) في (ب) و (ص): .
(٤) هو الحديث السَّابق.
(٥) سبق تخريجه.