قال الغماري:"ومن ذلك - أيضًا - ما نقله عنه الحفاظ في كتب الاصطلاح؛ من أنه نَصَّ في شرح البخاري على أن شرط البخاري في صحيحه إخراجُ الحديث الذي له راويان عن الصحابي، ثم يتداوله الرواة كذلك إلى وقته، وأجاب بما أُورِدَ عليه بجواب سخيف رَدَّه عليه الحفاظ، حتى قال ابن رُشَيد: ولقد كان يكفي القاضي في بطلان ما ادَّعاه أنه شرط البخاري أول حديث مذكور فيه؛ حديث الأعمال، لأنه فرد، واتصل كذلك إلى يحيى بن سعيد الأنصاري، وعنه اشتهر، إلى آخره، فليراجع من كُتُبِ الاصطلاح.
ولم يقف هؤلاء الحفاظ على تناقضه في هذه المسألة أيضًا، فقد حكى أنه وقعت له مناظرة مع قَدَرِيٍّ في مسألة عذاب القبر، فقال له: هو خبر آحاد، قلت: قد استفاض حتى عُلم، وعليك إذا جدرته - كذا - أن تعتقده، ولو رَوِيت من الآثار، وكان للشريعة عندك مقدار لامتلأ فؤادك من ذلك، ولكن أشياخك بَنَوا على طمس الشريعة وإطفاء نورها، حتى قالوا: لا يقبل خبر الواحد حتى ينقله اثنان، وينقل عن كل واحد اثنان، حتى ينتهي إلينا بأعداد لا تحصى، وذلك لا يَتَّفِقُ فيؤول إلى إبطال الأحاديث كلها، وتبقى الشريعة عريَّة عن بيان الذي أُنزلت عليه؛ فتتحكَّم أنت وأشياخك فيها. انتهى.
فانظر هذا وتعجَّب؛ فإن ما ذكره وحكاه عن المعتزلة هنا جعله في شرط البخاري هو شرط البخاري، كأنه كان في نظره من هؤلاء المعتزلة" (١).