للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والذي عندنا ما قدَّمناه في تأويله؛ أن ينقطع المرء عن غير الله، فلا يكون له في غيره حظ، ويَبُتُّ العلائق التي بينه وبين الدنيا، فلا يتعلق له بها بال، وينبذ المنابذ التي بيَّنَّاها في اسم "الزاهد" (١).

ولا يلزم في أفضل التبتل قَطْعُ الخلق عن الصحبة إلا عند فساد الناس (٢)، فتكون النجاة في طرحهم عن القلب، ونبذهم عن الصحبة، وتطليق ما بين المرء وبينهم من عُقْدَةٍ.

[المُتَبَتِّلُونَ بالمسجد الأقصى]:

وقد رأيتُ منهم بالشَّامِ -وخصوصًا بالأرض المقدَّسة وبالحجاز وبالعراق- جماعة، لا أُحصي لهم عددًا، وكان يَرِدُ علينا في بيت المقدس كل عام من جبال الشام جماعة من المُتبتِّلِينَ؛ يصومون بالمسجد الأقصى شهر رمضان، ثم يرجعون إلى جبالهم وكهوفهم (٣).

[رَغْبَةُ الطُّرْطُوشِي في التبتل]:

وكان الطُّرْطُوشِي يقول لنا: "هل لكم في أن نخرج بأنفسنا، ونتبتَّل إلى ربنا، ونعلوَ ظهر جبل نجعله دارنا، ونلتزم فيه العبادة حَجْرَةً عن الخلق، ونَبْذَةً من الناس؟ ".

فكنتُ أقول له: إذا حَصَّلْتُ ما أؤمِّل من العلم كنتُ لك صاحبًا في هذا الغرض.


(١) في السفر الثالث.
(٢) في (ص): الدين.
(٣) ينظر: قانون التأويل: (ص ٩٧).