للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبهذا يظهر أن رَدَّ الغماري هنا لا صلة له بالعلم، وإنما هو رَدٌّ بالتشهي، لمَّا لم يجد ما يقول زعم أن ابن العربي قد تناقض، وهيهات هيهات!

[الموطن الثالث]

قال الغماري: "من تناقضه - أيضًا - قوله في الكلام على أيوب : لم يصحَّ عن النبي أنه ذَكَرَهُ بحرف واحد، إلَّا قوله: "بَيْنَا أيوب يغتسل إذ خرَّ عليه رِجْلٌ من جراد من ذهب، فجعل يحثي في ثوبه، فقال الله له: يا أيوب، ألم أكن أغنيتك عمَّا ترى؟ قال: بلى يا رب، ولكن لا غنى لي عن بركتك" (١)، وإذ لم يصح عنه فيه قرآن ولا سُنَّة إلا ما ذكرنا، فمن الذي يُوصِلُ السَّامعَ إلى أيوبَ خبرُه؟ أم على أي لسان سَمِعَه؟

والإسرائيلياتُ مرفوضة عند العقلاء وجلة العلماء، فاغْتَمِضْ عن مسطورها بصرك، واضمم عن كَتْبِها يَدَك، وأَصْمِمْ عن سماعها أُذُنَك، فإنها لا تُعْطِي فِكْرَك إلا خبالًا، ولا تزيد فؤادك إلَّا اختلالًا، انتهى.

ثم إنه ذكر في موضع آخر من هذا الكتاب نفسه حكاية عن ملك سليمان وأُبَّهَتِه، ثم قال: معذرة: فإن قيل: وكيف تذكر هذا وليس له مُسْنَدٌ يُسند إليه من راوٍ نعلمُه؟

قلنا: هذا منا اقتداءٌ بإمام دار الهجرة مالكُ بن أنس، فإنه كان مِقْدَامًا على ذِكْرِ الإسرائيليات، وعلى حكمة لقمان، ولم يزل ينقل منها في كتابه،


(١) أخرجه البخاري في صحيحه عن أبي هريرة : كتاب الأنبياء، باب قول الله تعالى: ﴿وأيوب إذ نادى ربه﴾، رقم: (٣٣٩١ - طوق).

<<  <  ج: ص:  >  >>