للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[[مواساة ابن العربي للفقراء في أعوام المجاعة]]

وفد كنتُ في أعوام المجاعة أدعو الأغنياء والولاة إلى ذلك فيأبون عليَّ؛ لأن الله أبى عليهم أن يفلحوا، وكان من المفتين أو كلهم من يدفع هذا ويمنع (١) منه؛ لكثرة ماله وعظيم طعامه المُدَّخَرينِ عنده، فكنتُ أرجع إلى تقدير الأغنياء والمساكين، فآخُذُ من جملتهم قَدْرَ ما يمكن أن يلزمني على التقسيط، فأضمهم إلى نفسي وأجعلهم من معارفي، فذلك أفضل؛ لأن صلة المعرفة وذي الحاجة صِلَتَانِ، والصدفة عليهم صدقتان، والأَجْرُ فيهم مُضَاعَفٌ مرَّتين.

تَبْيِينٌ: [هل تَلْزَمُ المُسَاوَاةُ في المُوَاساةِ؟]

فإذا ضَمَمْتَهُمْ إلى نفسك فليس يلزمك أن تساويهم مع نفسك في المطعم والملبس، أمَا إنَّ نفسك لو أطاقته لكان أفضل، لما في ثبت في الصحيح عن أبي ذر: "أنه كان يمشي وعلبه حُلَّةٌ، على غلامه مِثْلُها، فقيل له في ذلك، فقال: سمعتُ رسولَ الله يقول: إخوانكم خَوَلُكم، ملَّككم الله رقابهم (٢)، فأطعموهم ممَّا تأكلون، واكسوهم ممَّا تلبسون، ولا تُكَلِّفُوهم من العمل ما لا يطيقون، فإن كلَّفتموهم فأعينوهم" (٣).


(١) في (س) و (د): أو يمنع.
(٢) في (س): رقابكم.
(٣) أخرجه البخاري في صحيحه من حديث أبي ذر الغفاري : كتاب الإيمان، باب المعاصي من أمر الجاهلية ولا يكفر صاحبها لارتكابها إلا بالشرك، رقم: (٣٠ - طوق).