للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المبحث الأوَّل: حديثُه عن رحلته

[ابتداء رحلته]

قال ابنُ العربي : "خرجتُ سنة خمس وثمانين وأربع مائة في طلب العِلْمِ؛ وبُرْدُ الشَّباب قَشِيب، وكأس الفتوة قَطِيب، وغصن الأماني رَطِيب، ودَوَّخْتُ من الأندلس إلى العراق، فِعْلَ الصفَّاق الأفَّاق، وأَنَخْتُ بكل حضرة، في عيشة نَضِرة؛ دين قائم، وبؤس نائم، وأُكْلٌ دائم، وأمن مُتَّصِل، وبِرٌّ وإكرام غير منفصل، وعِلْم جَمٌّ، وإقبال عَمٌّ، وعلماء رُفَعاء؛ بُحُورٌ زاخرة، وأنجم زاهرة، وملوك جَمَعَ الله فيهم الدين والدنيا، وأطاب بحَراهم الممات والمحيا، تفيض أيمانُهم على الضيف، ويأمن جارُهم من الحيف، أبصارهم عن المعايب مغضوضة، والمحاسنُ بعين المَبَرَّةِ لديهم ملحوظة، فأَقَمْنَا مع كلا الطائفتين في دَوْحٍ وارفة الظلال، وقَطَفْنا ثَمَرَ الأماني متصلة الإقبال، وقطعنا الزمان بالنظر في العلم، فجمعنا فنونه، وانتقينا عيونه، ونثلنا مكنونه، وفضضنا خِتامه، ومَلَكْنا زِمامه، فصرَّفناه تصريف الأفعال، ودفعنا به في نَحْرِ المُحال، وشددنا عليه يد المِحال، ورجعنا منه بملْء الحقائب، ومُنْيَةِ الراغب، وحسرة الخائب، وغُصَّة المُجانب، ونحن نسأل الله أن يرزقنا العَمَل، ويُبَلِّغَنَا فيه الأَمَل؛ برحمته" (١).

وفي كلام ابن العربي ما يفيد تعظيمه لعلماء المشرق، وتفضيله على علماء المغرب، لما رأى من خصالهم، ولما عَايَنَ من فضائلهم، وقد كان


(١) سراج المريدين: (٣/ ٢٦٤ - ٢٦٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>