للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ومعنى قَوْلِه : "إن الدنيا خُلِقَتْ لأربعة نَفَرٍ": أنَّ الدنيا خلِقَتْ لمَعَانٍ ولأُمَمٍ منها هذه الأقسام الأربعة، ولا ينفي ذلك أن يكون فيها سواها، ولكنه يعود إليها.

إيضاحٌ:

ومع هوانها لا بدّ منها؛ لأنها السبيل إلى المقصود، لكنها مشحونة بمفاوز تَنَايِف (١)، محفوفة بمخاوف ومتالف، وهي وإن كانت كما قال سبحانه: ﴿لَعِبٌ وَلَهْوٌ﴾ [الحديد: ٢٠]، ففيها جِدٌّ وحَقٌّ، ومن حِكْمَةِ الباري فيها وحُكْمِه أن قَلْبَها بِنِيَّةِ العبد طاعة، بعد أن وَجَدَها في الأصل مباحة، فالأعمال بالنيَّات بحُكْمِه، والحسنات يُذهبن السيئات بحِلْمِه، وللعبد في كل وقت من أوقاتها حالة؛ له بها صفة محمودة أو مذمومة، لأجل الازدواج الذي كَتَبَه الله على الخلق، ووَجَبَ عليهم حين وَجَبَ له الانفراد وتعالى به، وبتلك الصفات في تلك الحالات تتعلَّق الأحكام، وعليها يترتَّب الثواب والعقاب، فإن لم يكن في الدنيا خَيْرٌ من وَجْهٍ فلا غِنَى عنها من آخَرَ، به يَعُودُ خيرًا؛ لأنها مَطِيَّةُ السَّائر، وزَادُ المسافر، وقَنْطَرَةُ العابر، لا دَارَ العامر، وجُهْدُ المُقِلِّ، يُقْتَنَصُ منها ولا يُسْتَكْثَرُ (٢)، ويُتَقَوَّتُ ولا يُدَّخَرُ، ومثالها الصَّارم يصلح للعادل والظالم، فيُصَرِّفُه كُلُّ واحد منهما على نِيَّتِه.


(١) في طرة بـ (س): جمع تَنُوفة، وهى القَفْرُ.
(٢) في طرة بـ (س): في خـ: يتكثر.