للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والدَّلِيلُ عليه قطعًا نزول جبريل إلى النبي بالوحي؛ يُكَلِّمُه به مثل صَلْصَلَةِ الجَرَسِ (١)، ويسمعه منه ويَعِيهِ عنه، ولا يسمعه أَحَدٌ من أصحابه، وفي رواية: "كدَوِيِّ النحل" (٢).

الإشكال الثالث: كَوْنُ الروح في أجواف طير خُضْرٍ، أو طَيْرًا أخضرَ.

والبيان له: أن الروح لا تخلو أن نكون عَرَضًا أو قائمة بنفسها؛ جِسْمًا أو جَوْهَرًا.

فإن كانت عَرَضًا فكيف تُوجَدُ بمَحَلِّ حَيٍّ بروحه فتقوم به فتكون حيًّا بها أو لا تكون؟ وذلك محال، أو تكون جِسْمًا، فالعقول تمنع أن تكون في جسم آخر، والأصول تدفعه.

هذا كلامُ بعض من شرح الحديث (٣)، وهو لا يعلم ما المعقول ولا الأصول، ولكنه أبو سلمة صَرَخ، بهذا فخلط ولَطَخ، وجهل ما بينه وبين هذه الحقيقة من البَرْزَخ.

والحديث صحيحٌ كيفما قدَّرت الروح، فإن قدَّرتها عَرَضًا فلم تفارق الجسم إلا بجُزْءٍ (٤) منه معها كما بيَّنَّاه من قبل.


(١) أخرجه البخاري في صحيحه عن الحارث بن هشام : كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله ، رقم: (٢ - طوق).
(٢) أخرجه الترمذي في جامعه: أبواب تفسير القرآن عن رسول الله ، باب ومن سورة المؤمنين، رقم: (٣١٧٣ - بشار)، وفيه يونس بن سُلَيم، لا يعرف من هو، ينظر: العلل لابن أبي حاتم: (٤/ ٦٨٨).
(٣) هذا كلام الإمام ابن عبد البر ، وهو في الاستذكار: (٨/ ٣٥٩)، وفيه: "لا يجتمع في جسد روحان؛ روح المؤمن، وروح الطير، هذا محال تدفعه العقول، لمخالفته الأصول".
(٤) في (د): بجسم.