للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وانقلبنا عن ذلك المجلس والشيطان خزيان ينظر، وهذا المعنى كلُّه مستوفًى في "نرهة المناظر (١) "وغيره من "كُتُبِ الأصول".

[الإشكال الخامس]

قالوا: إن الله يقول مُخْبِرًا عن الكفار في حَالٍ، قال: ﴿كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [المؤمنون: ١١٢ - ١١٤]، فأخبر الله سبحانه عن الكفار أنهم يُراجَعون عند سؤالهم عن مدة لُبثهم، أنهم لَبِثُوا يومًا أو بعض يوم، ولو كانوا في عذاب لكان اليومُ عندهم ألف عام، فإن أيام النعيم ساعاتٌ قِصَارٌ، وأيام العذاب أعوامٌ طِوَالٌ.

قال علماؤنا (٢) - ما معناه -: "إن هذا تَلْبِيسٌ في السؤال، فإنهم سُئِلوا عن مدة مقامهم في الدنيا، لا عن مدة مقامهم في القبور، وأيام الدنيا التي قَطَعُوها بالنعيم، وأَفْنَوْهَا بالمرح، واغتروا بها، وظنوا أن لا دار وراءها، مع رؤيتهم أنه لا بقاء لها، ولكن النفس الجاهلة مُولَعَةٌ بحب العاجلة".

فلمَّا عاينوا العذاب الدائم قيل لهم: كم لبثتم فيما تمتعتم؟

﴿قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ﴾.

وكذلك النعيم كله إذا زال المرءُ عنه، إنما هو لحظة، سواءٌ انتقل منه إلى نعيم أو عذاب، وأَشَدُّه الانتقال منه إلى ضده:


(١) في (س) و (د): الناظر.
(٢) بعده في (ص): .