للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والأنبياءُ ينابيعُ العلم وأصولُ الخلافة، والعلماء بعدهم ورثتهم، ينزلون منزلتهم، ويتكلَّمون بألسنتهم، ويُبَلِّغُونَ ما أَلْقوا إليهم ممَّا أنزله ربُّهم عليهم.

ومَلِكُ مِصْرَ كان قد استأثر على الخلق، وعَدَلَ عن الحق، ولم يُطْلِقِ الله يوسفَ عليه، بل جعله في سجنه لما عَلِمَ من حُكْمِه، فلمَّا أخرجه من السجن وتخلَّى له عن الأمر رجع الحقُّ في نصابه، واستقرَّت الولاية في دَسْتِها بتخلِّي الغاصب لها عنها، فرجعت إلى مستحقها.

[السببُ الذي جعل العلماء يقبلون الولايات]:

ولهذا قَبِلَ العلماءُ الولايات من الولاة الذين لا يعدلون، لا على معنى النيابة عنهم، ولكن لأنَّ الله ولَّاهم الفُتْيَا والقضاء بينهم، والهداية والإرشاد لهم، فإذا منعهم وَالٍ أو تعدَّى عليهم آمِرٌ قَبَضُوا أنفسهم، وسمعوا وأطاعوا، حتى إذا تخلَّى لهم وتمكَّنوا لم يكن لهم عُذْرٌ إن لم يقبلوا، وليعدلوا فليُعْزَلُوا؛ فيكونوا قد وَفَّوا بعهد الله، وعملوا بولاية الله، ويَنْفُذُ بعد ذلك من القَدَرِ ما شاء الله، فأَفتوا بخلافة الله، وقَضَوا بولايته.

[المُوفُون بالعهد]:

وممَّن وَفَى بما عاهد (١) عليه الله من المتقدمين أَنَسُ بن النَّضْرِ؛ عَمُّ أَنَسِ بن مالك، غاب عن بَدْرٍ فقال: "غِبْتُ عن أوَّل قتال النبي ، لئن أشهدني الله مع النبي ليَرَيَنَّ الله ما أصنع أو ما أجد (٢)، فَلَقِيَ يوم أُحُدٍ؛ فهُزِمَ الناس، فقال: اللهم إنِّي أعتذر إليك ممَّا صنع هؤلاء - يعني: المسلمين -،


(١) في (د): عهد.
(٢) في (ب): أحد.