للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأبرأُ إليك ممَّا جاء به المشركون، فتقدم بسيفه، فلَقِيَ سعدَ بن معاذ فقال: أي سعد؛ إني أجد ريح الجنة دون أُحُدٍ، فمضى فقُتِلَ، فما عُرِفَ حتى عرفته أخته ببنانه أو بشَامَةٍ، وبه بِضْعٌ وثمانون؛ من طعنة، وضربة، ورمية بسَهْمٍ" (١)، صحيحٌ صحيحٌ.

وممن أَوْفَى بعهده من المتأخرين أبو حمزة الخراساني، من شيوخ الصوفية، سمع أن ناسًا بايعوا رسول الله على أن لا يسألوا أَحَدًا شيئًا، فكان أحدُهم إذا وقع سوطه لا يسأل أحدًا رَفْعَه إليه، فقال أبو حمزة: "ربِّ (٢) إنَّ هؤلاء عاهدوا نَبِيَّك إذ رَأَوْه، وأنا أعاهدك ألَّا أسأل أحدًا شيئًا أبدًا، قال: فخرج من الشام يريد مكة، فبينما (٣) هو يمشي في الطريق بالليل إذ بقي عن أصحابه لعُذْرٍ ثم اتَّبعهم، فبينما (٤) هو يمشي إليهم إذ سقط في بئر على حاشية الطريق، فلمَّا حصل في قعره قال: أستغيث لعلَّ أحدًا يسمعني فيُخرجني، ثم قال: إنَّ الذي عاهدته يراني ويسمعني، والله لا تكلَّمت بحَرْفٍ لبَشَرٍ، ثمَّ لم يلبث إلَّا يسيرًا إذ مرَّ بذلك البئر نَفَرٌ، فلمَّا رأوه على حاشية الطريق قالوا: إنه لينبغي سَدُّ هذا البئر، ثم قطعوا خشبًا ونصبوها على فَم البئر، وغَطَّوها بالتراب، فلمَّا رأى ذلك أبو حمزة قال: هذه مهلكة، فأراد أن يستغيث بهم، ثم قال: والله لا أخرج منها أبدًا، ثم رجع إلى نفسه فقال: أليس الذي عاهدتُ يرى ذلك كله؟ فسكت وتوكَّل، ثم أسند في قعر البئر مُفَكِّرًا في أمره، فإذا بالتراب يقع عليه، والخشب


(١) أخرجه البخاري في صحيحه عن أنس : كتاب المغازي، باب غزوة أُحُدٍ، رقم: (٤٠٤٨ - طوق).
(٢) لم يرد في (ك).
(٣) في (ك) و (ص) و (ب): فبينا.
(٤) في (ك) و (ص) و (ب): فبينا.