للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

زُهْدُ أبي الطيِّب اليمني:

قال ابنُ العربي: "وما رأيتُ في رِحْلَتِي مَلِكًا إلَّا أبا الطيِّب اليَمَنِيَّ الزَّاهد؛ فإنه كان مَلِكًا؛ اعتزل الناس كافَّة، واعتكف دائمًا، وتجرَّد عن الدنيا، وقطع العلائق، واقتصر على جِلَفِ الخبز والماء، يأتدمُ بالزيت، لا يأكل شيئًا مَرَّتْ عليه يَدٌ، ولا استولى عليه أَحَدٌ بمِلْكٍ، إنَّما كان في أيام القيظ يخرج إلى "الفَحْصِ" في الأرض التي لا مِلْكَ لأَحَدٍ عليها، فيجمع الخِطْمِيَّ ثم يدرسه، ويستخرج بَزْرَه ويدَّخره، ويطحنه ويصنع منه خُبْزًا ويأكله، ويبتاع من تُجَّارِ الرُّوم الزيت يأتدمُ به، وكان يتوخَّى ذلك كله لغلبة الحرام وعمومه لما في أيدي الناس، فكنتَ تراه شَعِثًا قَضِفًا نَيِّرًا" (١).

[رابطة المنجنيق]

قال الإمام الحافظ: "كنَّا نخرج مع شيخنا أبي بكر الفِهْرِي على "باب أَرِيحَا" إلى "عين لِفْتَة"، ونركب الطريق في منزل بعد منزل؛ أربعة بُرُدٍ إلى ثلاثة بُرُدٍ، إلى "نَابُلس"؛ خَيْفَيْنِ بين جبلين، يخرج من أحد الجبلين عين كبيرة، وباقيهما عيون تسقي الأخياف، وينحدر إلى الوادي فيسيل لبساتين، فيها من كل فاكهة زوجان، ونخل ورمَّان، وما تشتهي من ثمار الدنيا نَفْسُ الإنسان، وفي أعلى الجبل الأدنى إلى بيت المقدس البُنيان الذي كان فيه المنجنيق، وقد اتخذه الناس رابطة، فنُقِيم هنالك معتكفين مُتَدَرِّسِينَ للعلم أيَّامًا مُتَنَعِّمِين، وبجنبها في بطن الوادي مُسْتَوْقَدُ النار، رمادًا مُتَّصِلًا في باطن الأرض إلى الماء" (٢).


(١) سراج المريدين: (٣/ ٢٦٠).
(٢) سراج المريدين: (٤/ ٣١٨ - ٣١٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>