للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وعن هذا عبَّر ابنُ مسعود لقوله: "الجنة حُفَّتْ بالمكاره، والنَّار حُفَّتْ بالشهوات، فمن اطّلَعَ الحجاب واقع (١) ما وراءه" (٢)، وكلُّ من تصوَّرها من خَارجٍ ضلَّ عن معنى الحديث وعن حقيقة الحال.

فإن قيل: فقد قال: "حُجِبَتِ النارُ بالشهوات".

قُلْنَا: المعنى واحد؛ لأن الأعمى عن التقوى الذي قد أخذ سَمْعَه وبَصَرَه الشهواتُ، يراها ولا يرى النار التي هي فيها (٣)، وإن كانت فيها باستيلاء الجهالة ورَيْنِ الغفلة على (٤) قلبه، كالطائر يرى الحبة في داخل الفخ وهي محجوبة به، ولا يرى الفخَّ لغلبة شهوة الحبة على قلبه وتَعَلُّقِ باله بها، وجهله بما جُعلت فيه وحُجبت به.

واختصارُ ذلك نَبْذُ ثلاثة (٥) مَعَانٍ -والله أعلم-:

المَنْبُوذُ الأوَّلُ: الدُّنْيَا

إلَّا ما لابدَّ منه (٦)؛ فإنك إن عَلَّقَتْ أَمَلَكَ بها أَذْهَلَتْكَ، وإن تَنَاوَلْتَها نَبَذَتْكَ وأَلْهَتْكَ، وليس يمكنك أن تكون فيها (٧) قائمًا ولا بينهما سالمًا،


(١) في (س) و (ز) و (ف): وافق.
(٢) أخرجه أبو داود في الزهد: (ص ١٥٣)، رقم: (١٦١).
(٣) في (س) و (ز): معها.
(٤) في (س) و (ز): عن.
(٥) في (د): ثلاث.
(٦) في (ز): له منه.
(٧) في (د): بها.