للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث الأول: ضياع كتبه]

وأوَّل ما يجده القارئ لكتابه هذا حديثُه عن كُتُبِه التي عصفت بها رياح الفتن وأهواء الآفات، ليذكر لنا خبرًا عن فجيعته ببنات أفكاره وزواهر عمره، قال : "وقد كنتُ أفضتُ في "أَنْوَارِ الفَجْرِ بمَجَالِسِ الذِّكْرِ" في أنواع العلوم الشريفة؛ من التوحيد، والأحكام، ومقامات الأعمال وآفات القلوب والأحوال؛ ما سارت به الرُّكبان، وتعطَّر بأَرَجِه الزمان، وضَعُفَتْ عن تحصيله الأركان، وقُيِّد منه ما قُيِّد، وشُرِّدَ منه ما شُرِّدَ، واسْتَفَأَتِ الآفاتُ كثيرًا منه، ونَسَفَتْ أَرْوَاحُ النوائب جملةً ممَّا كُنَّا فَرَغْنَا عنه" (١).

وتكرَّر منه هذا الذِّكْرُ، وألمح إليه، وكنَّى عنه، ولا يقف العالم موقفًا أَعَزَّ عليه من أن يرى الهمج الهامج يعبثون بمُسْتَفَادِ عمره، وحصيلة رحلته، وفائدة اغترابه؛ تعصف بها فتنة ظالمة لا ترعى إلًّا ولا ذِمَّةً، وقد رُزِئَ ابنُ العربي في هذا الذي وصفنا فصبر، ولم يَفُتَّ ذلك في عضده، بل جعلها محنة في طَيِّها منحة، وأقبل على نشر العلوم كما كان من قبل، فقال: "وكان من أهم ما يُقبَل عليه؛ تقييدُ ما يتعجَّل الخلقُ منفعتَه، فخرج "الأَمَدُ الأقصى في أسماء الله وصفاته"، و"ناسخُ القرآن ومنسوخه"، و"أحكامُه"، و"قانونُ التأويل"، وكتابُ "العواصم"، و"القَبَسُ من أنوار مالك في كتابه"، و"العِوَضُ المحمود"، وهو مُفَرَّق عند الناس" (٢).

وهذه الكتب التي ذكرها إنما كان خروجها بعد مُصابه في كتبه ومصنفاته، وهي علم جليل، وطبقة عالية، وما زال الناس ينهلون منها،


(١) سراج المريدين: (١/ ١١).
(٢) سراج المريدين: (١/ ١١).

<<  <  ج: ص:  >  >>